بأنه أرسل إلى عباده رسلا يستنقذون فطرتهم من الركام، ويساعدون عقولهم على الخلاص من الضغوط، والانطلاق للنظر الخالص والتدبر العميق. وأنه أوحى إلى هؤلاء منهج الدعوة إلى الله، وأنزل على بعضهم كتبا تبقى بعدهم في قومهم إلى حين- ككتب موسى وداود وعيسى- أو تبقى إلى آخر الزمان كهذا القرآن.
ولما كانت رسالة موسى معروفة بين العرب في الجزيرة العربية، وكان أهل الكتاب معروفين هناك، فقد أمر الله رسوله أن يواجه المشركين المنكرين لأصل الرسالة والوحي، بتلك الحقيقة: قُلْ: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ
للمفسرين في سبب نزول قوله تعالى: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... اتجاهان:
اتجاه أنها نزلت في قريش واختاره ابن جرير، واتجاه أنها نزلت في طائفة من اليهود، أو في فنحاص رجل من اليهود، أو في مالك بن الصيف من اليهود أيضا والذين يرون أنها في مالك بن الصيف يروون هذه الحادثة: أن جماعة من اليهود منهم مالك بن الصيف كانوا يجادلون النّبي عليه الصلاة السلام فقال النبي عليه الصلاة والسلام له: أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ قال نعم. قال: فأنت الحبر السمين. فغضب وقال: ما أنزل الله على بشر من شئ».
أقول: من الملاحظ في عصرنا أن بعض رجال الدّين من غير المسلمين إذا فشلوا في إقناع الإنسان بدينهم حاولوا تشكيكه في الأديان كلها، وقد روى لي واحد من النصارى الذين أسلموا أن واحدا من علماء النصارى عندما فشل في إقناعه في العودة إلى النصرانية حاول أن يشككه بأصل الأديان كلها ولكن مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ*.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً. أي: لا أحد أظلم ممن كذب على الله كهؤلاء الذين قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ. أي: كهؤلاء الذين يدّعون النبوة أمثال مسيلمة وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ. أي: ومن ادّعى أنه يعارض ما جاء من عند الله بما يفتريه من القول كالنّضر بن الحارث، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، أي لا أحد أظلم من هؤلاء الأنواع الثلاثة وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ من أمثال هؤلاء المذكورين فِي غَمَراتِ