كل رسول، فتقبلتها فئة وعتت عنها فئة؛ ثمّ وقع الانحراف عنها والتحريف فيها، فعاد الناس إلى جاهليتهم في انتظار رسول جديد.
وهذا القول الذي ذكرته الآية يقوله- قديما أو حديثا- من لا يقدر الله حق قدره، ومن لا يعرف كرم الله وفضله، ورحمته وعدله .. إنهم يقولون: إن الله لا يرسل من البشر رسولا ولو شاء لأنزل ملائكة! كما كان العرب يقولون. أو يقولون: إن خالق هذا الكون الهائل لا يمكن أن يعنى بالإنسان «الضئيل» في هذه الذرة الفلكية التي اسمها الأرض بحيث يرسل له الرسل، وينزل على الرسل الكتب لهداية هذا المخلوق الصغير في هذا الكوكب الصغير! وذلك كما يقول بعض الفلاسفة في القديم والحديث. أو يقولون: إنه ليس هناك من إله ولا من وحي ولا من رسل .. إنما هي أوهام الناس أو خداع بعضهم لبعض باسم الدين. كما يقول الماديون الملحدون!
وكله جهل بقدر الله- سبحانه- فالله الكريم العظيم العادل الرحيم، العليم الحكيم .. لا يدع هذا الكائن الإنساني وحده، وهو يعلم سرّه وجهره، وطاقاته وقواه، ونقصه وحاجته إلى الموازين القسط التي يرجع إليها بتصوراته وأفكاره، واقواله وأعماله، وأوضاعه ونظامه، ليرى إن كانت صوابا وصلاحا، أو كانت خطأ وفسادا .. ويعلم- سبحانه- أن العقل الذي أعطاه له، يتعرض لضغوط كثيرة من شهواته ونزواته، ومطامعه ورغباته، فضلا عن أنّه موكّل بطاقات الأرض التي له عليها سلطان بسبب تسخيرها له من الله، وليس موكّلا بتصوّر الوجود تصورا مطلقا، ولا بصياغة الأسس الثابتة للحياة. فهذا مجال العقيدة التي تأتي له من الله، فتنشئ له تصورا سليما للوجود والحياة .. ومن ثم لا يكله إلى هذا العقل وحده، ولا يكله كذلك إلى ما أودع فطرته من معرفة بربها الحق، وشوق إليه، ولياذ به في الشدائد .. فهذه الفطرة قد تفسد كذلك بسبب ما يقع عليها من ضغوط داخلية وخارجية، وبسبب الإغواء والاستهواء الذي يقوم به شياطين الجن والإنس، بكل ما يملكون من أجهزه التوجيه والتأثير .. إنما يكل الله الناس إلى وحيه ورسله وهداه وكتبه، ليرد فطرتهم إلى استقامتها وصفائها، وليردّ عقولهم إلى صحتها وسلامتها، وليجلو عنهم غاشية من داخل أنفسهم ومن خارجها .. وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله، ورحمته وعدله، وحكمته وعلمه ..
فما كان ليخلق البشر ثم يتركهم سدى .. ثم يحاسبهم يوم القيامة ولم يبعث فيهم رسولا: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا .. فتقدير الله قدره يقتضي الاعتقاد