وأخيرا أليس هو الله الذي قدر الموت والحياة؛ واستخلف جيلا بعد جيل؛ ولو عاش الأولون لضاقت الأرض بهم وبالآخرين؛ ولأبطأ سير الحياة والحضارة والتفكير، لأن تجدد الأجيال هو الذي يسمح بتجدد الأفكار والتجارب والمحاولات، وتجدد أنماط الحياة، بغير تصادم بين القدامى والمحدثين إلا في عالم الفكر والشعور. فأما لو كان القدامى أحياء لتضخم التصادم والاعتراض! ولتعطل موكب الحياة المندفع إلى الإمام!
إنها كلها حقائق في الأنفس كتلك الحقائق في الآفاق. فمن الذي حقق وجودها وأنشأها؟ من؟ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ؟ ..
إنهم لينسون ويغفلون. وهذه الحقائق كامنة في أعماق النفوس، مشهودة في واقع الحياة: قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ! ولو تذكر الإنسان وتدبر مثل هذه الحقائق لبقي موصولا بالله صلة الفطرة الأولى. ولما غفل عن ربه، ولا أشرك به أحدا).
[كلمة في السياق]
نلاحظ أنه قد ورد في الآية الأولى من هذه المجموعة قوله تعالى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ بعد قوله تعالى قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى ومن محض العقل، ومن السياق نعرف الجواب: أن الله خير، بدليل ما قبل الآية مما يفعل الله لرسله وأوليائه بينما لا تنفع الآلهة المزعومة أصحابها، وبدليل ما ذكر في بقية المجموعة من كون الله خالقا ومنعما ومجيبا وهاديا ومبدئا ومعيدا ورازقا، وغيره لا يخلق ولا ينعم ولا يجيب ولا يهدي ولا يبدئ ولا يعيد ولا يرزق. وهكذا نجد الآية الأولى في المجموعة جسرا بين ما قبلها وما بعدها، ويلاحظ أنه حيث ورد قوله تعالى: أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ يكون التقدير: أإله مع الله يعبد، أو أإله مع الله فعل هذا؟ وهذا يدل على أن المجموعة كلها مسوقة لتوكيد التوحيد الذي دعا إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما رأينا ذلك في المقطع الأول، وفي الآيات كذلك تعليل للأمر الذي ورد في أول المجموعة قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى فالله الذي هذا فعله يستحق الحمد، ورسله الذين اصطفاهم لتبليغ رسالاته يستأهلون السلام ونلاحظ أن الآية الثانية في المجموعة ختمت بقوله: بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ والثالثة بقوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ والرابعة بقوله: قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ والخامسة بقوله: تَعالَى اللَّهُ عَمَّا