للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوسف من إخوته وعطفنا عليه قلب العزيز مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ أي أرض مصر وجعلناه يتصرف فيها بأمره ونهيه وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أي من تعبير الرؤيا وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ أي فعال لما يشاء لا يمنعه أحد عما يشاء وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أي لا يدرون حكمته في خلقه وتلطفه وفعله لما يريد

وَلَمَّا بَلَغَ أي يوسف أَشُدَّهُ أي منتهى استعداد قوته أي استكمل عقله وتم خلقه آتَيْناهُ حُكْماً أي حكمة وهو العلم مع العمل، واجتناب ما يجهل فيه، أو حكما بين الناس وفقها وَعِلْماً أي آتيناه مع الحكم العلم. وقد فسرهما ابن كثير بأنهما النبوة وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ في هذا تنبيه على أنه كان محسنا في عمله، تقيا في عنفوان أمره، وفي ذلك بشارة لكل محسن

وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ أي طلبت من يوسف أن يواقعها، فحاولته على نفسه ودعته إليها، وذلك أنها أحبته حبا شديدا لحسنه وجماله وبهائه، فحملها ذلك على أن تتجمل وتهيأ الوسائل للوصول وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ أي تعال وأقبل قالَ مَعاذَ اللَّهِ أي أعوذ بالله معاذا إِنَّهُ رَبِّي أي إن الشأن والحديث أنه سيدي ومالكي أي زوجها أَحْسَنَ مَثْوايَ أي أكرمني فما جزاؤه أن أخونه في أهله إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ أي الخائنون أو الزناة، ويحتمل أن يعود الضمير على الله عزّ وجل، والأول أقوى، ذكرها بحق سيده عليه، ألا يخونه في أهله، فلعلها تتذكر حق زوجها عليها فلا تخونه

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ هم عزم وَهَمَّ بِها هم طبع بلا عزم، أو هم خطرة، ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه. لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ أي رأى آية من آيات الله تزجره عن المطاوعة كَذلِكَ أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ أي خيانة السيد وَالْفَحْشاءَ أي الزنا إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا أي من جملة عبادنا الْمُخْلَصِينَ أي الذين أخلصهم الله لطاعته. أي كما أريناه برهانا صرفه عما كان فيه، كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره؛ إنه من عباد الله المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار

وَاسْتَبَقَا الْبابَ أي وتسابقا إلى الباب، هي للطلب، وهو للهرب. نفر منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج، وأسرعت وراءه لتمنعه من الخروج وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ أي اجتذبته من خلفه فانشق قميصه حين هرب منها إلى الباب، وتبعته تمنعه وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ أي وصادفا بعلها مقبلا، يريد أن يدخل، فلما رأته احتالت لتبرئة ساحتها عند زوجها من الريبة، ولتخويف يوسف طمعا في أن يواطئها خيفة منها ومن مكرها قالَتْ ما

<<  <  ج: ص:  >  >>