ولنعرض التفسير الحرفي لهذا التعقيب الذي يأتي كدرس بين قصص من ذكر وقصة موسى وفرعون:
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ يقال لكل مدينة قرية إذ المعروف أن الأنبياء ترسل في الحواضر إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ أي: بالبؤس والفقر وَالضَّرَّاءِ أي:
الضر والمرض وهذا الأخذ لاستكبارهم عن اتباع نبيهم فعاقبهم الله بنقصان النفس والمال لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ أي ليتضرعوا ويتذللوا ويحطوا أردية الكبر
ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة والصحة حَتَّى عَفَوْا أي حتى كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم من قولهم: عفا النبات إذا كثر وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ أي قالوا هذه عادة الدهر، يعاقب في الناس بين الضراء والسراء، وقد مس آباءنا نحو ذلك، وما هو بعقوبة الذنب، ولا رب ولا رسول، فكونوا على ما أنتم عليه فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً أي فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي بنزول العذاب
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى المذكورة أو كل قرية مطلقا آمَنُوا وَاتَّقَوْا آمنوا بالله ورسله، واتقوا الشرك والمعاصي لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أي المطر والنبات، أو لآتيناهم بالخير من كل وجه وَلكِنْ كَذَّبُوا بالله وآياته ورسله فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أي بكفرهم وسوء كسبهم.
أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أي الكافرون منهم أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا أي عذابنا بَياتاً أي ليلا أي وقت بيات وَهُمْ نائِمُونَ
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى أي نهارا والضحى في الأصل ضوء الشمس إذا أشرقت وَهُمْ يَلْعَبُونَ أي وهم يشتغلون بما لا يجدي عليهم. والاستفهام في الآيتين للإنكار والمعنى إنكار الأمن من أحد هذين الوجهين من إتيان العذاب ليلا، أو ضحى
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ أي:
أخذه العبد من حيث لا يشعر، وقال بعضهم: مكره بهم تركه إياهم على ما هم عليه ثم أخذهم فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ أي إلا الكافرون الذين خسروا أنفسهم حتى صاروا إلى النار
أَوَلَمْ يَهْدِ أي: يتبين لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ أي: أو لم يهد للذين يخلفون من خلا قبلهم في ديارهم ويرثون أرضهم هذا الشأن، وهو أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم كما أصبنا من قبلهم فأهلكنا الوارثين كما أهلكنا الموروثين وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ أي ونحن نختم على قلوبهم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ الوعظ
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها أي تلك القرى المذكورة من قوم نوح إلى قوم شعيب نقص عليك بعض أنبائها، ولها أنباء غيرها