أنه قد غاب عن كثير من المسلمين أن القرآن إنما كان تبيانا لكل شئ، بأن ذكر الحكم صراحة، أو دلّ على الطريق الذي يسلك للوصول إلى الحكم من سنة أو قياس أو إجماع، ومن ثم قامت مدارس الاجتهاد التي تضع نظريات استنباط الحكم، وألفت الكتب الكثيرة التي تتحدث عن الأحكام، فأخطأ بعض الناس بأن نظروا إلى عمل الأئمة المجتهدين ومدارسهم على أنه خارج عن الدين، أو زائد عليه.
[نقول]
١ - [كلام صاحب الظلال عند الآية وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ]
بمناسبة قوله تعالى وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ قال صاحب الظلال:
«واللمسة الثانية في الرزق. والتفاوت فيه ملحوظ. والنص يرد هذا التفاوت إلى تفضيل الله لبعضهم على بعض في الرزق. ولهذا التفضيل في الرزق أسبابه الخاضعة لسنة الله. فليس شئ من ذلك جزافا ولا عبثا. وقد يكون الإنسان مفكرا عالما عاقلا، ولكن موهبته في الحصول على الرزق وتنميته محدودة، لأن له مواهب في ميادين أخرى. وقد يبدو غبيا جاهلا ساذجا ولكن له موهبة في الحصول على المال وتنميته.
والناس مواهب وطاقات. فيحسب من لا يدقق أن لا علاقة للرزق بالمقدرة، وإنما هي مقدرة خاصة في جانب من جوانب الحياة. وقد تكون بسطة الرزق ابتلاء من الله، كما يكون التضييق فيه لحكمة يريدها ويحققها بالابتلاء .. وعلى أية حال فإن التفاوت في الرزق ظاهرة ملحوظة تابعة لاختلاف في المواهب- وذلك حين تمتنع الأسباب المصطنعة الظالمة التي توجد في المجتمعات المختلفة- والنص يشير إلى هذه الظاهرة التي كانت واقعة في المجتمع العربي؛ ويستخدمها في تصحيح بعض أوهام الجاهلية الوثنية التي يزاولونها، والتي سبقت الإشارة إليها. ذلك حين كانوا يعزلون جزءا من رزق الله الذي أعطاهم ويجعلونه لآلهتهم المدعاة. فهو يقول عنهم هنا: إنهم لا يردون جزءا من أموالهم على ما ملكت أيمانهم من الرقيق. (وكان هذا أمرا واقعا قبل الإسلام) ليصبحوا سواء في الرزق، فما بالهم يردون جزءا من مال الله الذي رزقهم إياه على آلهتهم المدّعاة؟