للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها سياق سورة المائدة، وهي إذ فنّدتها هناك في خطاب أهل الدنيا. فإنها هنا تعرضها والقيامة قد قامت، وهي مع ذلك ترتبط بمحور سورة المائدة من البقرة وكما أنها مقدمة لسورة الأنعام.

[المعنى العام]

تبدأ خاتمة سورة المائدة بالإخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة، وعما أجيبوا به من أممهم الذين أرسلهم إليهم، ولهول ذلك اليوم، ولكونه موقفا تذهل فيه العقول، نفوا أن يكون لهم علم بما أجيبوا، وذلك من هول الموقف، وحسن الأدب مع الله، إذ لا علم لهم بالنسبة لعلم الله المحيط، إذ هو وحده العليم بالظواهر والبواطن. فعلم الرسل بالنسبة لعلم الله كأنه لا علم، لأن الله وحده علّام الغيوب كلها، ثمّ ذكر الله- عزّ وجل- ما منّ على عبده ورسوله عيسى عليه السلام مما أجراه على يديه من المعجزات الباهرات وخوارق العادات، وأمره إياه أن يذكر نعمته عليه في خلقه إياه من أمّ بلا أب. وجعله إياه آية ودلالة قاطعة على كمال قدرته عزّ وجل على الأشياء، وأمره أن يذكر نعمته على والدته مريم؛ حيث جعله لها برهانا على براءتها ممّا نسبه الظالمون والجاهلون إليها من الفاحشة، ومن أجلّ نعمه عليه التي أمره أن يتذكرها ما أيده به من جبريل عليه السلام، فجعله نبيا داعيا إلى الله في صغره وكبره، فأنطقه في المهد صغيرا شهد ببراءة أمّه من كل عيب، واعترف لله بالعبودية، وأخبر عن رسالته ودعوته إلى عبادته في صغره وكبره، ثمّ أمره أن يتذكر نعمة تعليمه الكتاب والتوراة، وما أكرمه به من الخوارق والمعجزات، من تصوير الطين وتشكيله على هيئة الطائر بإذن الله له في ذلك، فينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله أي: فينفخ في تلك الصورة التي شكّلها بإذن الله له في ذلك فتكون طيرا ذا روح تطير بإذن الله وخلقه، ومن ذلك إبراء الأعمى والأبرص بإذن الله، ومن ذلك دعوته فيقومون أحياء بإذن الله وقدرته وإرادته ومشيئته. ثمّ أمر أن يذكر نعمته عليه في كفّه بني إسرائيل عنه حين جاءهم بالبراهين والحجج القاطعة على نبوته ورسالته من الله إليهم، فكذبوه واتّهموه بأنّه ساحر وسعوا في قتله وصلبه، فنجّاه منهم، ورفعه إليه، وطهّره من دنسهم، وكفاه من شرّهم، ثمّ أمره أن يذكر نعمته عليه بأن جعل له أصحابا وأنصارا، إذ ألهم حوارييه الإيمان به واتّباعه، فاستجابوا له وانقادوا وتابعوا. ثمّ ذكر الله- عزّ وجل- في هذا السياق قصة اقتراح المائدة على عيسى من قبل حوارييه وجوابه ودعاءه الله من أجلها، وردّ الله

<<  <  ج: ص:  >  >>