طيبا هنيئا نافعا سهلا، واذكروا ضجركم مما رزقناكم، وسؤالكم استبدال ذلك بالأطعمة الدنيئة من البقول ونحوها. فكان جواب موسى: أن هذا الذي سألتم ليس بأمر
عزيز، بل هو كثير في أي بلد دخلتموها وجدتموه، فليس يساوي مع دناءته وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه، هذا الذي ذكره المفسرون. ولكني ألمح مع التأنيب الإباحة، أخذا من السياق الذي يعدد النعم فكأنهم مع نزولهم عن المقام الأعلى أبيح لهم أن يحصلوا على مثل هذه الأشياء بالنزول إلى الأمصار المجاورة لهم في رحلة التيه، وبهذا يكون قد انتهى تعداد النعم ثم بعد ذلك يذكر الله عزّ وجل ما عوقبوا به بعد موسى بكثير.
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ. ثم علل جل جلاله لهذه العقوبة: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ. فالكفر بالآيات وقتل الأنبياء والعصيان والاعتداء، هي سبب استحقاقهم للذلة والمسكنة والغضب من الله بعد سير تاريخي طويل، وبعد إنعام كثير وبعد تفضيل الله إياهم على عالم زمانهم.
إنها عقوبة تأتي بعد فترة من المرحلة التي قص الله علينا من أنباء الإنعام عليهم، ولكنه جل جلاله وهو يقص علينا من أنبائهم في المرحلة الأولى، هيأ أذهاننا لنصل إلى هذه النتيجة من خلال ما رأيناه من تعنتهم في الطلب وتحريفهم للأمر، وظلمهم واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، وذلك كله في العصر الأول، إن بذور الأخلاق الفاسدة الكبرى التي أدت إلى عقوبتهم النهائية كانت موجودة عند بعضهم حتى في العصر الأول عصر موسى ويوشع. عليهما السلام.
من المعلوم أن الأمة كلها لا تقع في المعصية بل يبقى أفراد ملتزمون مطيعون وهم لما يفعله الآخرون كارهون ولا يستطيعون أن يفعلوا شيئا، هؤلاء ما محلهم في أمتهم؟ ما حظهم من العقوبة الدنيوية والأخروية؟ مع أنهم يقومون بحق الله، إن هذه الآية تأتي لتقرر أن فضل الله عزّ وجل سابغ على أمثال هؤلاء في كل أمة من الأمم، فهم بمنجاة من العقوبة الدنيوية والعقوبة الأخروية والذين هادوا هم: اليهود، والنصارى هم من