- إن صلة قوله تعالى: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا بسياق الجولة الذي عنوانه وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ واضحة، فقطع دابر الذين ظلموا مظهر من مظاهر القهر الإلهي، وذلك مظهر من مظاهر ارتباط المجموعة التي مرّت معنا بسياق الجولة الخاص الذي تحدثنا عنه كثيرا، وقد آن الأوان لنتذكر محلّ هذه الجولة بالنسبة لسياق السورة الخاص:
بدأت سورة الأنعام بقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ لاحظ كلمتي (يعدلون) و (تمترون) إن الشرك والامتراء، أو الشرك والشك، مرضان من أمراض النفس البشرية، والجولة التي بين أيدينا تعالج الشرك، والشك، والامتراء منذ بدايتها، ففي المجموعة الأولى ورد قوله تعالى: قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. وفي المجموعة الثانية ورد قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وذكرت المجموعات الأربع اللاحقة مجادلة المشركين، ثم جاءت المجموعة السابعة وفيها عودة إلى التوحيد بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ وتأتي المجموعة الثامنة لتكمل الحوار مع الشرك وأهله، فالجولة إذن- مع أن لها سياقها الخاصّ بها- ترتبط بسياق السورة الخاص بروابط متعدّدة، وهي في هذا كله تفصّل في محور السورة من البقرة.
[فوائد]
١ - [استدراج الله تعالى للظالمين]
روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج». ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ. وروى ابن أبي حاتم أنّ الحسن البصري قال: من وسّع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتّر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له، ثم قرأ: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ قال: مكر بالقوم ورب الكعبة؛ أعطوا