كل عمل. وإنما قال ذلك ليتوصل إلى إمضاء أحكام الله، وإقامة الحق، وبسط العدل، والتمكن مما لأجله بعث الأنبياء إلى العباد، ولعلمه أن أحدا غيره لا يقوم مقامه في ذلك، فطلبه ابتغاء وجه الله، لا لحب الملك والدنيا. قال النسفي. (قالوا: وفيه دليل على أنه يجوز أن يتولى الإنسان عمالة من يد سلطان جائر، وقد كان السلف يتولون القضاء من جهة الظلمة، وإذا علم النبي، أو العالم أنه لا سبيل إلى الحكم بأمر الله، ودفع الظلم إلا بتمكين الملك الكافر أو الفاسق فله أن يستظهر به، وقيل: كان الملك يصدر عن رأيه، ولا يعترض عليه في كل ما رأى، وكان في حكم التابع له).
وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ أي ومثل ذلك التمكين الظاهر مكنا ليوسف في الأرض. أرض مصر. والتمكين الإقدار وإعطاء المكنة يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ أي كل مكان أراد أن يتخذه منزلا لم يمنع منه لاستيلائه على جميعها، ودخولها تحت سلطانه نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا أي بعطائنا في الدنيا من الملك والغنى وغيرهما من النعم مَنْ نَشاءُ أي من اقتضت الحكمة أن نشاء له ذلك وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ كما لم نضع صبر يوسف على أذى إخوته، وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز، فلهذا أعقبه الله عزّ وجل النصر والتأييد في الدنيا
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ يخبر تعالى أن ما ادخره لنبيه يوسف عليه السلام، ومن كان على قدمه من المؤمنين المتقين في الدار الآخرة أعظم وأكثر وأجل مما خوله من التصرف، والنفوذ في الدنيا.
[فوائد]
١ - هذا المشهد الذي مر معنا موجود في التوراة الحالية في الإصحاح الحادي والأربعين وليس في الإصحاح كثير من التفصيلات فليس فيه أن رئيس السقاة يقص على يوسف الرؤيا، ثم يرجع بذلك إلى الملك، وليس فيه طلب يوسف سؤال النسوة وما جرى فيه، وذلك غير مستغرب. لأن التوراة الحالية روايات مجموعة بعد زمن طويل من نزولها. ولعل من أعظم الأدلة على أن التوراة الحقيقية كانت ضائعة، هذا النص الموجود في سفر الملوك الثاني في الإصحاح الثاني والعشرين والإصحاح الثالث والعشرين وفيهما: (فقال حلقيا الكاهن العظيم لشافان الكاتب قد وجدت سفر الشريعة في بيت الرب. وسلم حلقيا السفر لشافان فقرأه .... فلما سمع الملك كلام سفر الشريعة مزق ثيابه ... اذهبوا واسألوا الرب لأجلي ولأجل الشعب ولأجل كل يهوذا من جهة كلام