وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً أي مجتمعا، يعني: هلا أنزل عليه دفعة واحدة في وقت واحد، وما له أنزل علي التفاريق؟ قال النسفي: وهو فضول من القول ومماراة بما لا طائل تحته، لأن أمر الإعجاز والاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو متفرقا، وهذا اعتراض فاسد لأنهم تحدوا بالإتيان بسورة واحدة من أصغر السور، فأبرزوا صفحة عجزهم، حتى لاذوا بالمناصبة، وفزعوا إلى المحاربة، وبذلوا المهج، وما مالوا إلى الحجج كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ أي إنما نزل منجما في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث، وما يحتاج إليه من الأحكام، ليثبت قلوب المؤمنين به، وقال النسفي: فاعلم أن ذلك لنثبت به بتفريقه فؤادك، حتى تعيه وتحفظه، لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شئ، وجزءا عقيب جزء، ولو ألقي عليه جملة واحدة لعجز عن حفظه، أو لنثبت به فؤادك عن الضجر بتواتر الوصول، وتتابع الرسول، لأن قلب المحب يسكن بتواصل كتب المحبوب وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا الترتيل: التبيين في ترسل وتثبت، هذا وصف القرآن من ناحية، وجواب ثان من ناحية أخرى. والمعنى: وبيناه تبيينا. والصلة بين البيان وبين التفريق:
أن السورة- أو الآية- عند ما تنزل مع الحادثة أو قبلها مباشرة، أو بعدها أو معها، فإن ذلك أدعى إلى الفهم، وأقوى لمعرفة الحكمة
وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً أي ولا يأتونك بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة التي كأنها مثل في البطلان، إلا أتيناك بالجواب الحق الذي لا محيد عنه. وبما هو أحسن معنى ومؤدى من مثلهم أي من سؤالهم. وقال ابن كثير في تفسير المثل: أي بحجة وشبهة. فصار المعنى عنده: ولا يأتونك بحجة وشبهة إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر، وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم، وعلى هذا فقد أجيبوا على شبهتهم في تنزيل القرآن مفرقا بثلاثة حكم:
الحكمة الأولى: تثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أمام ما يواجهونه.
الحكمة الثانية: أن الفهم للقرآن يكون أعمق، وأن معرفة الحكمة في أحكامه تكون أدق إذا كان تنزل القرآن على حسب الوقائع والحوادث.