للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير المجموعة الثالثة]

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ أي في موضع سكناهم، وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا مقيمين فيها باليمن آيَةٌ أي علامة دالّة على قدرة الله وإحسانه، ووجوب شكره هذه الآية جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ أي جماعتان من البساتين، جماعة عن يمين بلدهم، وأخرى عن شمالها، وكل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامّها كأنها جنّة واحدة، كما تكون بساتين البلاد العامرة كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ هكذا قال أنبياء الله المبعوثون إليهم بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة، وربكم الذي رزقكم، وطلب شكركم رب غفور لمن شكره

فَأَعْرَضُوا عن دعوة أنبيائهم، وعن شكر ربهم فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ أي المطر الشديد، أو سيل الوادي المسمّى بالعرم، الذي بنوا في نهايته سدّهم وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ المذكورتين جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ أي ثمر خَمْطٍ أي بشع وَأَثْلٍ الأثل: شجر يشبه الطرفاء، والأثل لا ثمر له وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ السّدر: شجر النبق، قال الحسن: قلّل السدر لأنّه أكرم ما بدّلوا، لأنه يكون في الجنان، قال ابن كثير: (فهذا الذي صار أمر تينك الجنتين إليه بعد الثمار النضيجة والمناظر الحسنة والظلال العميقة، والأنهار الجارية تبدّلت إلى شجر الأراك، والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير، والثمر القليل، وذلك بسبب كفرهم، وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق، وعدولهم عنه إلى الباطل

ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا أي بسبب كفرهم وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ أي وهل نجازي مثل هذا الجزاء إلا من كفر النّعمة، ولم يشكرها، أو كفر بالله

وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ أي بين سبأ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها وهي الشام قُرىً ظاهِرَةً أي متواصلة يرى بعضها من بعض لتقاربها، فهي ظاهرة لأعين الناظرين، أو ظاهرة للسابلة لم تبعد عن مسالكهم، حتى تخفى عليهم وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ أي وجعلنا هذه القرى على مقدار معلوم يقيل المسافر في قرية، ويروح في أخرى إلى أن يبلغ الشام سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ أي الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلا ونهارا. قال النسفي: أي سيروا فيها إن شئتم بالليل وإن شئتم بالنهار، فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات، أو سيروا فيها آمنين لا تخافون عدوا ولا جوعا ولا عطشا، وإن تطاولت مدة سفركم، وامتدت أياما وليالي

فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا قالوا: يا ليتها كانت بعيدة فنسير على

<<  <  ج: ص:  >  >>