لَدَى الْحَناجِرِ وهكذا نلاحظ أن ما مر معنا من هذه المجموعة حتى الآن قد رد على كلمة للكافرين، ورد على اقتراح، وبعد الرد حذر وأنذر، والآن يأتي الرد على قولهم إن القرآن أضغاث أحلام وكذب وشعر، ثم يعقب ذلك إنذار آخر، وتحذير وتذكير
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ يا معشر قريش، أو يا معشر العرب الذين تقولون عن هذا القرآن ما تقولون كِتاباً هو القرآن فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي فيه شرفكم، هكذا فسرها ابن عباس أَفَلا تَعْقِلُونَ أي ما فضلناكم به على غيركم فتؤمنوا، أي أفلا تعقلون هذه النعمة وتتلونها بالقبول بدلا من أن تصفوها بما تصفونها به؟ ولنا على الآية عودة، إذ تحتمل أن يكون المراد بالذكر الموعظة، فكتاب فيه مثل هذا التذكير كيف تصفونه بما تصفونه به؟ وبعد أن رد مزاعمهم في شأن هذا القرآن عاد إلى التحذير والإنذار والتذكير
وَكَمْ قَصَمْنا أي أهلكنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً أي كثير من القرى الكافرة أهلكنا أهلها، والتعبير بالقصم فيه إشارة إلى شدة الإهلاك، لأن القصم أفظع الكسر وَأَنْشَأْنا أي وخلقنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ أي أمة أخرى سكنت مساكن الأولين
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا أي فلما أحس المهلكون عذابنا، أي علموا علم حس ومشاهدة تيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة، كما وعدهم نبيهم إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ أي يفرون هاربين، فقيل لهم، والقائل بعض الملائكة
لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ أي إلى ما نعمتم فيه من الدنيا، ولين العيش، أي إلى نعيمكم وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ وإنما يقال هذا لهم كما قال قتادة استهزاء بهم، والمعنى: لعلكم تسألون غدا عما جرى عليكم ونزل بأموالكم فتجيبوا السائل، عن علم ومشاهدة، بلسان الحال، أو لعلكم تسألون عما كنتم فيه من أداء شكر النعم في دار النعم
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ اعترفوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ أي دعاءهم وهو اعترافهم بظلمهم، دل ذلك على أن الاعتراف بالخطيئة دعاء لله، ولكن الدعاء في هذا المقام لا ينفع حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً أي مثل الحصيد أي مثل الزرع المحصود خامِدِينَ أي ميتين، شبههم بالنار إذا خمدت، أي جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود، أي ما زالت تلك المقالة- وهي الاعتراف بالظلم- حتى حصدناهم حصدا، وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودا، وهكذا حذر الله هؤلاء الكافرين وأنذرهم وذكرهم لو كان ينفعهم تحذير.