أن يهديهم إلى اتخاذ كعبة إبراهيم خليل الرحمن قبلة. فجعل توجههم إليها وهي المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له، وهي أشرف بيوت الله في الأرض.
[كلمة في السياق]
١ - ذكرنا من قبل صلة المقطع بما قبله. فما الصلة بين آية سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ بما قبلها مباشرة؟ لقد كان ما قبلها يناقش اليهود والنصارى في قضايا العقائد. وهاهنا النقاش في العمليات ولذلك قال الألوسي: «ومناسبة الآية لما قبلها أن الأولى قدح في الأصول (أي في العقائد) وهذا في أمر متعلق بالفروع (أي في العمليات من الشريعة) وإنما لم يعطف تنبيها على استقلال كل منها في الشناعة».
٢ - ثم يبين الله عزّ وجل في الآية اللاحقة أن تحويل القبلة بحيث تكون إلى الكعبة ينسجم مع مبدأ الوسطية الذي هو سمة هذه الأمة. وفي تحقيق أشار إليه الأستاذ الندوي في السيرة النبوية كتبه أحد المتخصصين: أثبت فيه أن مكة بالنسبة للعالم تقع في مركزه تماما. فهي وسط هذا العالم. فتحويل القبلة إلى البيت الحرام ينسجم مع صفة الوسطية لهذه الأمة. ولذلك جاءت الآية اللاحقة تقول: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً.
٣ - في قوله تعالى يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إشارة إلى أن في تشريعاته لهذه الأمة هداية لها إلى صراطه المستقيم، فلنتذكر أننا في الفاتحة ندعو الله اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ... وقد فعل جل جلاله فيما هدانا إليه. وليكن في هذا إشارة إلى الربط بين سورة البقرة في سياقها كله وبين سورة الفاتحة ولنعد إلى التفسير:
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً الوسط: الخيار. وقيل للخيار وسط لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل.
والأوساط محمية. أي: كما جعلكم خير الأمم جعلت قبلتكم خير القبل. والوسط كذلك العدول. لأن الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض. أي كما جعلنا قبلتكم متوسطة جعلناكم أمة وسطا، فهذه الآية بمثابة تعليل لاختيار الكعبة قبلة لنا. ذلك أننا أمة وسط. فلتكن قبلتكم كذلك. وقد أفاض صاحب الظلال في استخراج مظاهر الوسطية في هذه الأمة كما سنرى في فوائد هذه الفقرة.
وقد علل جل جلاله لجعلنا أمة وسطا أي عدولا أو خيارا بقوله لِتَكُونُوا شُهَداءَ