للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِسالَتَهُ يردّ النسفي على اعتراض، قال: قالت الملحدة لعنهم الله تعالى: هذا كلام لا يفيد وهو كقولك لغلامك: كل هذا الطعام، فإن لم تأكله فإنك ما أكلته. قلنا: هذا أمر بتبليغ الرسالة في المستقبل أي بلّغ ما أنزل إليك من ربك في المستقبل، فإن لم تفعل:

أي إن لم تبلّغ الرّسالة في المستقبل فكأنّك لم تبلّغ الرّسالة أصلا. أو بلّغ ما أنزل إليك من ربك الآن ولا تنتظر به كثرة الشوكة والعدّة، فإن لم تبلّغ كنت كمن لم يبلّغ أصلا. أو بلّغ ذلك غير خائف أحدا، فإن لم تبلّغ على هذا الوصف فكأنّك لم تبلغ الرسالة أصلا.

٢ - [معجزة غيبية في قوله تعالى ... وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ .. ]

في قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ معجزة غيبية. إذ هي وعد من الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم أن لا يسلّط عليه من يقتله مع كثرة دواعي القتل من كثرة الخصوم وشراستهم. وقد كان ذلك، وتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفاة. ومن درس كثرة المؤامرات عليه صلّى الله عليه وسلّم من قريش، وغير قريش واليهود، وسلامته عليه الصلاة والسلام مع هذا كله أدرك كمال المعجزة. وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحرس ويحب أن يحرس حتى نزلت هذه الآية، فترك الحراسة.

في الصحيحين وعند الإمام أحمد أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تحدّث «أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهر ذات ليلة، وهي إلى جنبه، قالت: فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟

قال: «ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة» قالت: فبينا أنا على ذلك، إذ سمعت صوت السّلاح فقال: «من هذا؟»، فقال: أنا سعد بن مالك. فقال: ما جاء بك؟ قال: جئت لأحرسك يا رسول الله. قالت: فسمعت غطيط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في نومه». وروى ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: «كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم يحرس حتى نزلت هذه الآية: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ قالت: فأخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم رأسه من القبّة، وقال: «يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله عزّ وجل» وهكذا رواه الترمذي. وروى ابن مردويه عن عصمة بن مالك الخطمي قال: كنا نحرس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالليل حتى نزلت: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فترك الحرس.

ومن تتبع حوادث السيرة، عرف كثرة المؤامرات عليه في أمّة كان الفتك والثأر خليقة من أخلاقها. ومن ذلك قصة غورث بن الحارث المشهورة في الصحيح، وهي كما رواها ابن مردويه عن أبي هريرة قال: «كنا إذا صحبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلّق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

<<  <  ج: ص:  >  >>