القدري وهذا يعني أنه إذا كان للمسلمين النصر والفتح فللمسألة وجهة أخرى غير الصفح والعفو، إذ في تلك الحالة يحال هؤلاء إذا كانوا من مواطني الدولة المسلمة إلى القضاء الإسلامي، أما إذا لم يكن للمسلمين السلطان والدولة فإن الصفح والعفو يسعانهم في معاملتهم لأهل الكتاب، على أنه في هذه الحالة يكون العفو والصفح مباحين للمسلمين، ويجوز لهما غير ذلك كالقتال أخذا من وجهة النظر الأخرى.
فخلال السير للوصول إلى أن تكون كلمة الله هي العليا يخير المسلمون بين عدة مواقف على حسب ما تقتضيه عملية السير، والآية تشعرنا بأن الموقف الأصلح في التعامل مع أهل الكتاب هو العفو والصفح حتى يتم النصر، ولكن هذا كله يكون إذا لم يكن الصراع مباشرا مع أهل الكتاب. ومن سبب النزول ندرك أن هذه الآية صورتها فيما إذا كان أهل الكتاب على الأرض الإسلامية نفسها، ولعل الصفح والعفو هو الموقف المناسب لمسلم يعيش بين أهل الكتاب على الأرض الكافرة.
إنني أرى أنه ما دام أهل الكتاب على الأرض الإسلامية مواقفهم منا في حدود الرغبات والأقوال، أن نعاملهم بالصفح والعفو، وأن يكون هذا جزءا من خطتنا ونحن نسعى لاسترداد السلطان السياسي للمسلمين. أما إذا تجاوزت مواقفهم ذلك بأن حملوا السلاح وقرروا أن يستعملوه ضدنا، أو أنهم بدءوا يستعملونه ضدنا، فالأمر وقتذاك يختلف .. أما الموقف من دولة اليهود فسنراه إذا جاءت مناسبته في هذه السلسة.
[كلمة في السياق]
قلنا عن سياق الآيتين بأنهما بمثابة البيان والتعليل للنهي الذي جاء من قبل عن متابعة أهل الكتاب، وبعد هاتين الآيتين يذكر الله عزّ وجل مجموعة من الأقوال والمواقف لأهل الكتاب، فمثلا يأتي بعد هاتين الآيتين قوله تعالى وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى والمفسرون يقولون بأن الواو من (وقالوا) حرف عطف يعطف (قالوا) في هذه الآية على قوله تعالى (ود) من الآية وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً.