للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عقوبتنا له لنريهم كيف ننتقم للآلهة.

قال ابن كثير: وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم عليه السلام أن يبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقلهم في عبادة هذه الأصنام، التي لا تدفع عن نفسها ضرا، ولا تملك لهم نصرا فكيف يطلب منها شئ من ذلك؟

قالُوا بعد أن أحضروه أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا يعني الذي تركه لم يكسره فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ.

قال ابن كثير: وإنما أراد بهذا أن يبادروه من تلقاء أنفسهم فيعترفوا أنهم لا ينطقون، وأن هذا لا يصدر عن هذا الصنم لأنه جماد

فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ أي فرجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم لما أخذ بخناقهم فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ أي على الحقيقة بعبادة ما لا ينطق، وليس الظالم من كسرها، فإن من لا يدفع عن رأسه الفأس، كيف يدفع عن عابديه البأس

ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ أجرى الله الحق على لسانهم في القول الأول، ثم أدركتهم الشقاوة أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم، استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم، وجاءوا بالفكرة الصالحة ثم انقلبوا عن تلك الحالة فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة، ارتقوا ابتداء وعادوا إلى الحضيض انتهاء وقالوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ فكيف تأمرنا بسؤالهم؟! والمعنى:

لقد علمت عجزهم عن النطق فكيف نسألهم؟

فقال لهم إبراهيم لما اعترفوا بذلك محتجا عليهم: قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً إن عبدتموه وَلا يَضُرُّكُمْ إن لم تعبدوه

أُفٍّ لَكُمْ أف: صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر، ضجر مما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم، وبعد وضوح الحق فتأفف بهم وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي أف لكم ولآلهتكم أَفَلا تَعْقِلُونَ أي أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الغليظ، الذي لا يروج إلا على جاهل ظالم فاجر، أفلا تعقلون أن من هذا وصفه لا يجوز أن يكون إلها،

فلما لزمتهم الحجة، وعجزوا عن الجواب، وظهر الحق، واندفع الباطل، عدلوا إلى منطق البغي والظلم والإرهاب، دأب الظالمين في كل زمان ومكان قالُوا حَرِّقُوهُ أي بالنار؛ لأنها أهول ما يعاقب به وأفظع وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ بالانتقام منه إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرا مؤزرا فاختاروا له أهول المعاقبات وهو الإحراق بالنار، وإلا فرطتم في نصرتها

قُلْنا أي حين فعلوا ما قالوه يا نارُ كُونِي

<<  <  ج: ص:  >  >>