عنكم خلاف ما أظهر، يعني: أن لسانه وقلبه متواطئان على ما يقول، فلعنه الله ما أكثر ضلاله، إذ يرى أن في قتل موسى رشادا
وَقالَ الَّذِي آمَنَ متابعا دفاعه عن موسى عليه السلام ومحاورا يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ أي: مثل أيام الذين كذّبوا رسل الله في قديم الدهر. كقوم نوح وعاد وثمود، والذين من بعدهم من الأمم المكذبة، كيف حلّ بهم بأس الله، وما ردّه عنهم رادّ، ولا صدّه عنهم صادّ، ومن ثم قال:
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي مثل جزاء دأب هؤلاء، ودأب هؤلاء دءوبهم في عملهم من الكفر والتكذيب وسائر المعاصي وديمومتهم عليه لا يفترون فيه وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ أي وما يريد الله أن يظلم عباده فيعذّبهم بغير ذنب، أو يزيد على قدر ما يستحقون من العذاب يعني: أنّ تدميرهم كان عدلا، لأنّهم استحقوه بأعمالهم،
ثمّ تابع تذكيره ووعظه وتحذيره دفاعا عن موسى عليه السلام، محذّرا إيّاهم من عذاب الآخرة بعد أن خوّفهم عذاب الدنيا وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ أي يوم القيامة، وسمّي بذلك لأن أصحاب النار ينادون أصحاب الجنة، وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار، كما ذكر في سورة الأعراف، وقيل غير ذلك كما سنذكره في الفوائد
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ أي منصرفين عن موقف الحساب إلى النار ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ أي لا مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ أي من مرشد
وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ بن يعقوب مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ أي بالمعجزات، أي جاء أهل مصر قبل موسى عليه السلام فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ أي فشككتم فيها ولم تزالوا شاكّين حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا وذلك لكفرهم وتكذيبهم حكموا هذا الحكم من عند أنفسهم من غير برهان، أي: أقمتم على كفركم، وظننتم أنّه لا يجدّد الله عليكم إقامة الحجة كَذلِكَ أي: مثل هذا الإضلال يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ أي: مسرف في عصيانه، مرتاب: أي: شاك في دينه. قال ابن كثير:
أي: كحالكم هذا يكون حال من يضله الله لإسرافه في أفعاله، وارتياب قلبه.
ثمّ بيّن من هؤلاء المسرفون المرتابون؟، وما هي صفاتهم فقال: الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ دفعا لها وإبطالا بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ أي: بغير حجة جاءتهم من الله. قال ابن كثير: أي: الذين يدفعون الحق بالباطل، ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى. فإن الله عزّ وجل يمقت على ذلك أشد المقت. ولهذا قال تعالى: كَبُرَ مَقْتاً أي: عظم بغضا جدال الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم عِنْدَ اللَّهِ