الذين كانوا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، فلما بعث كفروا به، أو المراد بالإيمان هنا أصل الفطرة، ثم حدث الكفر، والنص يدخل فيه هذا كله، ويخص من سبق إليه إيمان، ثم كفر بفرقة، أو بدعة، أو عداء لحق. فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي: بسبب كفركم.
وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ وهم أهل الإيمان فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ أي: في نعمته، وجنته، وثوابه هُمْ فِيها خالِدُونَ أي: ماكثون لا يظعنون عنها، ولا يموتون.
تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ أي: هذه آيات الله، وحججه، وبيناته، نتلوها عليك يا محمد متلبسة بالحق، والعدل من أمر الدنيا والآخرة. وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ أي: لا يريد الله أن يظلم عباده فيأخذ أحدا بغير جرم، أو يزيد في عقاب مجرم، أو ينقص من ثواب محسن.
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي: الجميع ملك له وعبيد له.
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أي: هو الحاكم المتصرف في الدنيا والآخرة فيجازي المحسن بإحسانه، والمسئ بإساءته.
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ أي: وجدتم خير أمة أظهرت للناس، ثم بين سبب ذلك وعلته. تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في المدح.
قال عمر بعد أن قرأ هذه الآية:«من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها».
قال ابن كثير: ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله تعالى كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ (سورة المائدة) ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات، شرع في ذم أهل الكتاب، وتأنيبهم، فقال تعالى: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه لَكانَ خَيْراً لَهُمْ أي: لكان الإيمان خيرا لهم مما هم فيه؛ لأنهم إنما يؤثرون دينهم على دين الإسلام حبا بالرئاسة والسلطة لهم أو لأقوامهم، واستتباعا للعوام، أو كبرا وحسدا. ولو آمنوا لكان خيرا لهم في الدنيا والآخرة، مع الفوز بما وعدوا به على الإيمان من إيتاء الأجر مرتين كما سنرى.
مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ أي: قليل منهم من يؤمن بالله: وما أنزل إليكم، وما أنزل إليهم، وأكثرهم على الضلالة، والفسق، والعصيان.
ثم أخبرنا تعالى مبشرا لنا أن النصر والظفر لنا على أهل الكتاب الكفرة الملحدين، وإن مسنا منهم أذى قال تعالى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً أي: ضررا مقتصرا على أذى: من طعن في الدين، أو تهديد، أو نحو ذلك دون أن يستطيعوا استئصالكم وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ