ولا يجالسه ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه، ويظهر له من نفسه العداوة والبغضاء، ومن داهن مبتدعا سلبه الله حلاوة السنن، ومن تحبب إلى مبتدع يطلب عز الدنيا أو عرضا منها، أذله الله تعالى بذلك العز وأفقره بذلك الغنى، ومن ضحك إلى مبتدع نزع الله تعالى نور الإيمان من قلبه، ومن لم يصدق فليجرب انتهى.
ومن العجيب أن بعض المنتسبين إلى المتصوفة- وليس منهم ولا قلامة ظفر- يوالي الظلمة؛ بل من لا علاقة له بالدين منهم، وينصرهم بالباطل، ويظهر من محبتهم ما يضيق عن شرحه صدر القرطاس، وإذا تليت عليه آيات الله تعالى وأحاديث رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم الزاجرة عن مثل ذلك يقول: سأعالج قلبي بقراءة نحو ورقتين من كتاب المثنوي الشريف لمولانا جلال الدين القونوي قدس سره وأذهب ظلمته- إن كانت- بما يحصل لي من الأنوار حال قراءته، وهذا لعمري هو الضلال البعيد، وينبغي للمؤمنين اجتناب مثل هؤلاء).
[كلمة أخيرة في سورتي الحديد والمجادلة]
سورتا الحديد والمجادلة شكلتا مجموعة واحدة وفصلتا في الآيات السبع والعشرين الأولى من سورة البقرة كما رأينا، وتكاملتا فيما بينهما؛ فسورة الحديد عمقت قضية الإيمان بالله والرسول صلى الله عليه وسلم، وأمرت بذلك وربت عليه، وذكرت المعاني التي توصل إلى الإيمان بالله والرسول، وجاءت سورة المجادلة لتبين أن الحكمة في تشريع الأحكام تعميق الإيمان بالله والرسول، وذكرت نماذج من محاربة الله والرسول صلى الله عليه وسلم، والمواقف المقابلة لذلك، فعمقت السورتان بذلك تصوراتنا عن التقوى والفسوق، وعن الإيمان والكفر والنفاق ضمن سياق خاص لكل منهما، وقد رأينا تفصيل ذلك كله وبعد سورة المجادلة تأتي مجموعة ثالثة من قسم المفصل تتألف من سورتين، وسنرى أن المجموعة اللاحقة تكمل مع المجموعتين السابقتين عملية البناء، وتتكامل معهما ومع ما بعدها، كل ذلك بنظام عجيب، وتداخل مدهش، مع سياق خاص، ووحدة خاصة. فلنر المجموعة الثالثة.