وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان- عليه السلام- في شأن يتعلّق بتصرفاته في الملك والسلطان كما يبتلي الله أنبياءه ليوجّههم ويرشدهم، ويبعد خطاهم عن الزلل. وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع، وطلب المغفرة؛ واتجه إلى الله بالدعاء والرجاء).
[كلمة في السياق]
إن ذكر ابتلاء سليمان عليه السلام في هذا المقام يؤدي دوره الرئيسي في السياق في تبيان أوّابيّة سليمان عليه السلام، ولكنّه يشعرنا- لوروده بعد حادثة غفلة- أن هذا الامتحان كان عقوبة له على تلك الغفلة، مما يعطينا درسا في أصول التعامل مع الله عزّ وجل، في ألا يفرط الإنسان، لأنه لا تفريط إلا وتعقبه عقوبة بشكل من الأشكال. فليحذر الإنسان سخط الله عزّ وجل. وسنذكر في الفوائد ما يذكره المفسرون عن فتنة سليمان عليه السلام هذه. ولنعد إلى التفسير لنرى دعاء سليمان عليه السلام،
وما أعطاه الله عزّ وجلّ مكافأة له على أوّابيّته:
...
قالَ سليمان عليه السلام رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي أي لا يكون لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي قدّم الاستغفار على استيهاب الملك جريا على عادة الأنبياء- عليهم السلام- والصالحين في تقديم الاستغفار على السؤال. قال النسفي:
(وإنّما سأل بهذه الصفة ليكون معجزة له لا حسدا، وكان قبل ذلك لم يسخّر له الريح والشياطين، فلمّا دعا بذلك سخّرت له الريح والشياطين، ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات) إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ تهب من تشاء ما تشاء
فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ أي بأمر سليمان عليه السلام رُخاءً أي ليّنة طيّبة حَيْثُ أَصابَ أي حيث أراد وقصد
وَالشَّياطِينَ أي وسخّرنا له الشياطين كُلَّ بَنَّاءٍ يبني له من الأبنية الهائلة من المحاريب والتماثيل والجفان إلى غير ذلك من الأعمال الشاقّة التي لا يقدر عليها البشر وَغَوَّاصٍ أي: ويغوصون له في البحر، يستخرجون ما بها من اللآلئ والأشياء النفيسة التي لا توجد إلا فيها
وَآخَرِينَ من الشياطين مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ قال ابن كثير:(أي موثوقون في الأغلال والأكبال ممّن تمرد وعصى وامتنع من العمل وأبى، أو قد أساء في صنيعه واعتدى)