وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا ثم بيّن ما هو هذا الفضل يا جِبالُ أي قلنا يا جبال أَوِّبِي مَعَهُ أي رجّعي معه التسبيح قال النسفي: ومعنى تسبيح الجبال أن الله تعالى يخلق فيها تسبيحا، فيسمع منها كما يسمع من المسبّح معجزة لداود عليه السلام وَالطَّيْرَ أي قلنا للطير أوّبي معه كذلك وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أي وجعلناه له ليّنا كالطين المعجون، يصرفه بيده كيف يشاء من غير نار، ولا ضرب بمطرقة
أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ أي أمرناه أن اعمل دروعا سابغات، أي واسعة تامّة وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ السّرد نسج الدروع ومعنى: وقدّر في السرد: أي لا تجعل المسامير دقاقا فتفلق، ولا غلاظا فتفصم الحلق، واجعله بقدر وَاعْمَلُوا أي يا آل داود، ويا داود صالِحاً أي عملا خالصا يصلح للقبول، أي في الذي أعطاهم الله من النعم إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أي
مراقب لكم، بصير بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى عليّ من ذلك شئ، وسأجازيكم عليه
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ أي وسخّرنا لسليمان الريح غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ أي جريها بالغداة مسيرة شهر، وجريها بالعشي كذلك، وهل هذا التسخير بأن تطيعه في الإمطار وتسيير السفن، أو تسخيرها بأن تحمله من مكان إلى مكان؟ ليس هنالك نصّ قاطع في هذا إلا أن عامة المفسّرين يذكرون الثاني فقط. قال ابن كثير:(لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود، عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام، من تسخير الريح له، تحمل بساطه، غدوها شهر ورواحها شهر) وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ أي عين النحاس وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ أي وسخّرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن ربه، أي بقدره وتسخيره لهم وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ أي ومن يعدل من الشياطين عَنْ أَمْرِنا الذي أمرنا به، من طاعة سليمان نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ أي الحريق
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ أي مساجد، أو مساكن حسنة وَتَماثِيلَ أي وصورا مجسّدة كالسّباع والطيور وغير ذلك، قال النسفي:(وكان التصوير مباحا حينئذ) وَجِفانٍ جمع جفنة كَالْجَوابِ جمع جابية: وهي الحياض الكبار وَقُدُورٍ راسِياتٍ أي ثابتات في أماكنها لا تتحرك ولا تتحوّل عن أماكنها لعظمها اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً أي وقلنا لهم اعملوا شكرا على ما أنعم به عليكم في الدين والدنيا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ أي المتوفر على أداء الشكر، الباذل وسعه فيه، قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه، اعتقادا واعترافا وكدحا، وهذا