ملكوها وجعلوا ملوكها، وأطلق تصرّفهم فيها كما يشاءون، تشبيها بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه، واتساعه فيه نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ أي: يكون لكل واحد منهم جنة لا توصف سعة وزيادة على الحاجة، فيتبوّأ أي: فيتخذ مبوّأ ومقرا من جنته حيث يشاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الجنّة
وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي: محدقين من حوله يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي: بين الأنبياء والأمم، أو بين أهل الجنة والنار بِالْحَقِّ أي: بالعدل وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. قال النسفي: أي: يقول أهل الجنة شكرا حين دخولها وتمّ وعد الله لهم كما قال: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
[كلمة في المجموعة الأخيرة والمقطع]
١ - إن المجموعة الأخيرة أرتنا كيف أن الله عزّ وجل الذي أنزل هذا القرآن هو الوكيل، وأرتنا ما هي عاقبة الذين صدّقوا بالكتاب واهتدوا به، وعاقبة الذين كذّبوا بالكتاب، ومن ثم رأينا كيف كان خطاب الملائكة لأهل النار أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ ... وهذا يدلنا على الصلة بين المجموعة الأخيرة وبداية المقطع، وبين المجموعة وسياق السورة كلها.
٢ - نلاحظ أنّ المجموعة الأخيرة أكملت بناء الأمر بالعبادة في السورة، ففي المقطع الأول ورد قوله تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ... قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ... وفي هذا المقطع ورد قوله تعالى قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ* وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ* بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وهكذا نجد كلا من المقطعين في السورة يكمّل الآخر.
٣ - نلاحظ أنّ المقطع الأخير قد بين أن الله عزّ وجل الذي أنزل هذا القرآن هو الذي يتولّى أمر عقاب المنحرفين عن دينه وكتابه في الدنيا والآخرة وما على الرسول إلا أن يطيع الله فيما أمره به.