للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتنصلوا إليه ويبرءوا مما وقع، فقال: ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا أي وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمنا من سرقته

وتيقنا، إذ الصواع استخرج من وعائه وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ أي وما علمنا أنه سيسرق، حين أعطيناك المواثيق، وما كنا في الغيب عالمين أنه سرق له شيئا عند ما سألنا جزاء السارق،

فقلنا ما قلنا وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها أي مصر. أي أرسل إلى أهلها فاسألهم عن كنه القصة وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها أي والقافلة التي رافقناها عن صدقنا وأمانتنا وحفظنا وحراستنا وَإِنَّا لَصادِقُونَ فيما أخبرناك به من أنه سرق وأخذوه بسرقته

قالَ أي بعد أن رجعوا إليه، وقالوا له ما قال لهم أخوهم بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً هذا مثل قوله لهم حين جاءوا على قميص يوسف بدم كذب، اتهمهم بسبب سابقتهم وبدلالة حالهم. كأنه قال: من أدرى ذلك الرجل أن السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أي لا شكوى معه، ثم ترجى من الله تعالى: أن يرد عليه أولاده الثلاثة: يوسف، وبنيامين، ومن بقي في مصر فقال عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ ولم يقل بهما لأنهم أصبحوا ثلاثة جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بحالي في الحزن والأسى الْحَكِيمُ في أفعاله وقضائه وقدره الذي لم يبتلني بذلك إلا لحكمة

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ أي وأعرض عنهم كراهة لما جاءوا به وَقالَ يا أَسَفى أي يا أسفي، والأسف: أشد الحزن والحسرة عَلى يُوسُفَ جدد له حزن الابنين الحزن الدفين الأول، دل هذا على أن الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضا عنده وطريا وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ أي مملوء من الغيظ على أولاده، ولا يظهر ما يسوؤهم وعلى هذا فمعنى كظيم: ساكت لا يشكو أمره إلى مخلوق. وفسرها بعضهم بأنه كئيب حزين.

قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا أي لا تفتأ أي لا تزال تَذْكُرُ يُوسُفَ أي لا تفارق تذكر يوسف حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أي ضعيف القوة مشفيا على الهلاك أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ حقيقة أي إن استمر بك هذا الحال خشينا عليك العجز أو الهلاك. قالوا له هذا رقة له، وشفقة عليه، ورأفة به، وهم في الظاهر سبب ما هو فيه، دل ذلك على مبلغ حزنه. قال النسفي: ويجوز للنبي أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لأن الإنسان مجبول على ألا يملك نفسه عند الحزن، ولذلك حمد صبره

قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي البث: أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس أي ينشره وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ أي إنما أشكو إلى ربي داعيا له، وملتجئا إليه فخلوني وشكايتي وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي وأعلم من رحمته أنه يأتيني

<<  <  ج: ص:  >  >>