كما يقولون. فما لم يعرف الإنسان الله فيحبه. وما لم يؤمن باليوم الآخر فيحب العمل من أجل الثواب فيه، فإنه يصعب عليه أن ينفق. ومن ثم كان الحديث عن الله في هذه الفقرة أعظم منه في أي مكان آخر من كتاب الله. أليس فيه آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله. إن من يقرأ هذه الفقرة ملاحظا البداية والنهاية والوسط سيجد نفسه مندفعا للإنفاق.
ولقد رأينا أولى آيات سورة البقرة هي:
الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وفيما مر من السورة، مرت تفصيلات كثيرة حول الصلاة. وهاهنا تأتي تفصيلات كثيرة حول الإنفاق وقد أخر الكلام عن الإنفاق ليكون بجانب ما يقابله من أكل الربا، وليكونا بجانب الحديث عن ضرورة الضبط في المعاملات، ومجئ ذلك كله في أواخر السورة يشعر بالاحتياجات التربوية الكثيرة للنفس البشرية، لتستقيم على أمر الله في شأن المال.
ومجئ ذلك كله في سياق الأمر بالدخول في الإسلام كله يشعر بأنه ما لم يقم أمر المال على شرع الله فإن الناس لا يكونون قد دخلوا في الإسلام كله. وفي مثل هذا وغيره، تظهر دقائق من أسرار الإعجاز لمن عقل. ولنبدأ عرض الفقرة.
يأمر تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم في سبيله، سبيل الخير، ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم، ومليكهم. وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة الدنيا من قبل أن يأتي يوم القيامة، يوم لا يباع أحد من نفسه، ولا يفادى بمال لو بذله، ولو جاء بملء الأرض ذهبا. ولا تنفعه صداقة أحد، أو نسابته، أو شفاعته؛ إن كان كافرا. ثم يقرر الله أنه لا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذ كافرا.
[المعنى الحرفي]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ: هذا أمر عام بالإنفاق في الجهاد،