ثم يأتي التوجيه الرابع في هذا المقطع؛ وفيه نهي المؤمنين عن أن يخونوا الله والرسول، ويخونوا ما ائتمنوا عليه، وخيانة الله والرسول تكون بمعصيتهما بالذنوب الصغيرة والكبيرة، وخيانة الأمانة تكون بإفشاء الأسرار. وقد أمر الله المسلم أن يعلم في هذا المقام أن المال والأولاد فتنة، وأن الله عنده أجر عظيم. والتذكير في هذا المقام بهذا المعنى، لأنه في الغالب لا يدفع الإنسان إلى ترك القتال، أو إلى المعصية، أو إلى إفشاء السر إلا رجاء مال، أو خشية على العيال، أو حبا للأولاد، أو نسيانا لما عند الله، وهكذا ذكر المقطع حتى التوجيه الرابع أربعة معان تحتاجها المعركة. ١ - الثبات في المعركة ٢ - السمع والطاعة ٣ - الاستجابة لداعي الله في تطبيق الإسلام كله وفي القتال ٤ - كتمان السر.
وقد جاء كل ذلك ضمن سياق حوى معاني كثيرة كلها تخدم هذه المعاني. ثم يأتي التوجيه الخامس: وفيه أمر بالتقوى، ووعد للمؤمنين إذا اتقوا الله فإن الله سيجعل لهم مخرجا ونجاة ونصرا، وفصلا بين الحق والباطل، ووعدهم مع هذا أن يعطيهم من فضله العظيم، فالمهم إذن أن يتحقق المسلمون بالتقوى، والله عزّ وجل هو الذي يأخذ بيدهم في مسارب الطريق، ولكنها التقوى في مفهومها القرآني، وليست في مفهومها العامي الذي عليه الكثيرون من الناس، ولقد كان الوعد بصيغة يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً ولقد سميت معركة بدر في القرآن بيوم الفرقان، ومن ثم فهمنا أنه يدخل في الوعد أن يجعل الله لنا كل زمن بدرا إذا ما اتقينا.
[المعنى الحرفي]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً أي متزاحفين أنتم وهم، أو المعنى إذا لقيتم الذين كفروا وهم زاحفون، والزحف: الجيش الذي يرى لكثرته كأنه يزحف أي يدب دبيبا. فصار المعنى إذا لقيتم الكافرين للقتال وهم كثير وأنتم قليل فلا تفروا، فكيف إذا كنتم مثلهم أو أكثر منهم فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ أي فلا تنصرفوا عنهم منهزمين بإعطائكم إياهم ظهوركم
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً أي مائلا لِقِتالٍ كأن يكر ليفر؛ ليخيل لعدوه أنه منهزم، ثم يعطف عليه، وغير ذلك من خدع الحرب أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ أي أو منضما إلى جماعة من المسلمين، فئته أو فئة أخرى فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي رجع بغضب من ربه وَمَأْواهُ