إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي؛ لأن الله قد ناط به امتداد الحياة على هذه الأرض؛ وتحقيق الخلافة لهذا الإنسان فيها. فهو ميل دائم يسكن فترة ثم يعود. وإثارته في كل حين تزيد من عرامته؛ وتدفع به إلى الإفضاء المادي للحصول على الراحة. فإذا لم يتم هذا تعبت الأعصاب المستثارة. وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مستمرة! والنظرة تثير. والحركة تثير. والضحكة تثير. والدعابة تثير. والنبرة المعبرة عن هذا الميل تثير. والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده الطبيعية، ثم يلبى تلبية طبيعية .. وهذا هو المنهج الذي يختاره الإسلام. مع تهذيب الطبع، وشغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة، غير تلبية دافع اللحم والدم، فلا تكون هذه التلبية هي المنفذ الوحيد!
وفي الآيتين المعروضتين هنا نماذج من تقليل فرص الاستثارة والغواية والفتنة من الجانبين)
[كلمة في السياق]
ذكر في هاتين الآيتين أحكام غض البصر، وحفظ الفروج، وحفظ العورات، وذلك كله لقطع الذريعة إلى الزنا، فالتبرج وتسريح البصر إلى ما حرم الله، هما بابا الزنا الكبيران، فإذا أغلقا انحسم الزنا وانحسر، فالصلة بين هاتين الآيتين وبين ما سبقهما في مجموعتهما، أو في المجموعات الثلاث الأولى واضحة، وأما صلة الآيتين بمحور السورة فمن حيث إنهما تحدثتا عن أحكام وآداب إسلامية، وذلك داخل ضمن قوله تعالى ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ونهتا عن أخلاق جاهلية وذلك داخل تحت قوله تعالى وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وطالبتا بالتوبة، وذكرتا بعلم الله، وذلك داخل ضمن قوله تعالى فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وإذ كان ما مر معنا في هاتين الآيتين هو من باب سد الذرائع التي توصل إلى الزنا، ولما كان الزواج هو الطريق الإيجابي الأقوى لقطع الطريق على الزنا، فإن الآية اللاحقة تأمر به.
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ الأيامى: جمع أيم وهو من لا زوج له، رجلا كان أو امرأة، بكرا كان أو ثيبا وَالصَّالِحِينَ أي الخيرين أو المؤمنين مِنْ عِبادِكُمْ أي من عبيدكم أي من أرقائكم وَإِمائِكُمْ أي جواريكم والمعني: زوجوا من تأيم منكم من الأحرار والحرائر، ومن كان فيه صلاح من عبيدكم وإمائكم قال النسفي: