وأما الهداية فهي خاصة من لطف المرسل بالتوفيق والعناية. فإذا كان الأمر كذلك فكيف لا يرسل الله رسولا وينزل وحيا، وكيف يتعجب الكافرون من إرسال الرسول، وإنزال الوحي
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أي آمنوا بالله ورسله، وعبدوا الله كما أمر الْحُسْنى أي المثوبة الحسنى وهي الجنة وَزِيادَةٌ قال ابن كثير: هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وزيادة على ذلك أيضا، ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه لا يستحقونها بعملهم بل بفضله ورحمته .. ثم عدد من فسر الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم حتى ليكاد يكون إجماعا. قال النسفي بعد أن ذكر القول السابق:
وقيل: الزيادة المحبة في قلوب العباد. وقيل: الزيادة مغفرة من الله ورضوان وَلا يَرْهَقُ أي ولا يغشى وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ أي سواد وَلا ذِلَّةٌ أي ولا كآبة، والمعني: لا يرهقهم ما يرهق أهل النار من غبرة فيها سواد، ولا أثر هوان، لا في عرصات القيامة ولا بعدها، أو تقول: المعني: أنه لا يحصل لهم إهانة في الباطن ولا في الظاهر أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ثم بين حال الكافرين فقال:
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ أي الشرك والكفر وما يستتبع ذلك، أي وللذين كسبوا السيئات جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها أي جزاء سيئة، سيئة مثلها أي مقدر بمثلها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أي وتعتريهم وتعلوهم ذلة من معاصيهم وخوفهم منها ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ أي من عقابه مِنْ عاصِمٍ أي مانع أي لا يعصمهم أحد من سخطه وعقابه كَأَنَّما أُغْشِيَتْ أي ألبست وُجُوهُهُمْ قِطَعاً جمع قطعة مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً هذا إخبار عن سواد وجوههم في الدار الآخرة والمعنى: كأنما جعل على وجوههم أغطية من سواد الليل أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ فإذا كان الأمر كذلك فكيف لا يبعث الله رسلا وينزل وحيا
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً أي الكفار وغيرهم أي أهل الأرض كلهم من جن وإنس، وبر وفاجر ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ أي الزموا أنتم وهم مكانا معينا امتازوا فيه عن مقام المؤمنين، وهذا يكون إذ جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء فَزَيَّلْنا أي ميزنا بَيْنَهُمْ وبين المؤمنين، أي ففرقنا بينهم، وقطعنا كل صلة كانت بينهم في الدنيا وَقالَ لهم شُرَكاؤُهُمْ أي من عبدوه من دون الله من أولي العقل، أو الأصنام ينطقها الله عزّ وجل ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ وهكذا أنكروا عبادتهم وتبرءوا منهم، فما كانوا