للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيء من الظلم. والمعنى: إلا من رجع عن ترك الصلوات واتّباع الشهوات فإنّ الله يقبل توبته، ويحسن عاقبته، ويجعله من ورثة جنة النعيم، وذلك لأن التوبة تجبّ ما قبلها. ولهذا لا ينقص هؤلاء التائبون من أعمالهم التي عملوها شيئا، ولا يقابلون بما عملوه قبلها فينقص لهم مما عملوه بعدها لأن ذلك ذهب هدرا، من كرم الكريم وحلم الحليم

جَنَّاتِ عَدْنٍ أي إقامة، وهي الجنات التي يدخلها التائبون من ذنوبهم الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ أي التائبين المؤمنين الذين يعملون الصالحات كما سبق ذكرهم بِالْغَيْبِ أي وعدهم إياها بظهر الغيب، أو وعدها وهي غائبة غير حاضرة، أو وهم غائبون عنها لا يشاهدونها إِنَّهُ أي الرحمن أو إن الشأن كانَ وَعْدُهُ أي موعوده وهو الجنة مَأْتِيًّا أي هم يأتونها أي العباد صائرون إليها وسيأتونها، وقد يراد بالمأتي الآتي، وهو سائغ في لغة العرب. فيكون المعنى: إنه كان وعده آتيا.

لا يَسْمَعُونَ فِيها أي في الجنة لَغْواً أي فحشا أو كذبا أو ما لا طائل تحته من الكلام، وفيه تنبيه على وجوب تجنب اللغو واتقائه، حيث نزه الله عنه داره التي لا تكليف فيها إِلَّا سَلاماً إلا قولا يسلمون فيه من العيب وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا أي على مقدار طرفي النهار من الدنيا إذ لا ليل ولا نهار ثمّ؛ لأنّهم في النور أبدا، وإنما يعرفون مقدار النهار برفع الحجب، ومقدار الليل بإرخائها، والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش فوصف الله جنته بذلك. وقيل أراد دوام الرزق، والذي يبدو أن ما شاءوه من

الرزق كان، ولهم مع ذلك رزق خاص بالبكور والعشي

تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا أي من كان من المتحققين بصفات المتقين. ومعنى نورث: أي نجعل ثمرتها وما فيها ميراث أعمالهم. وقيل معناها أنهم يرثون المساكن التي كانت لأهل النار، لو آمنوا لأن الكفر موت حكما.

[كلمة في السياق]

وهكذا عرفتنا هذه الآيات أنه بعد كل رسول كانت أمته يضل منها الكثير، فيتركون الواجبات، ويتبعون الشهوات، ولأمتنا نصيب من ذلك وقد هدّد الله هؤلاء بالنار، ثم هيّج على التوبة والإيمان والعمل الصالح؛ بذكر ما أعد الله لأهل ذلك، ومن الأدلة على أن كل رسول كانت أمته من بعده تقسو قلوبها قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (الحديد: ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>