للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يقدر على ذلك أحد سواه انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ. أي: نكرّرها ونبيّنها ونوضّحها ونفسّرها، دالة على أنه لا إله إلا الله، وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال، وبدلا من رؤية الآيات والوصول من خلالها إلى الإيمان يقترحون الآيات والمعجزات تعنتا وعنادا، ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ. أي: ثم هم يعرضون عن الآيات بعد ظهورها، والصدوف: الإعراض عن الشئ.

ثمّ يأتي أمر آخر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بصيغة (قل): قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً. أي: فجأة بأن لم نظهر أماراته أَوْ جَهْرَةً. أي: ظهرت أماراته هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ. أي: ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بربهم

وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ مبشّرين بالجنان لأهل الإيمان، ومنذرين بالنيران لأهل الكفران، قال النسفي: ولم نرسلهم ليقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة والأدلة الساطعة. وقال ابن كثير: مبشّرين عباد الله المؤمنين بالخيرات ومنذرين من كفر بالله النقمات والعقوبات فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ. أي: فمن آمن من قلبه بما جاءوا به، وأصلح عمله باتباعه إياهم فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ. أي: بالنسبة لما يستقبلونه وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.

أي: بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا فالله وليهم فيما خلّفوه، وحافظهم فيما تركوه

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ.

أي: ينالهم العذاب بما كفروا بما جاءت به الرسل، وبما خرجوا عن أوامر الله وطاعته، وارتكبوا من مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته، جعل العذاب ماسّا كأنه حي يفعل بهم ما يريد من الآلام، وقوله تعالى: بِما كانُوا يَفْسُقُونَ يعني أن ذلك بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى بالكفر وفي هذه المجموعة بيان أن العذاب لا يصيب إلا الظالمين الفاسقين، وأن المؤمنين الصالحين في أمان في دنياهم وأخراهم،

والآن يأتي أمر آخر بصيغة (قل): قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ. أي: قسمه للخلق وأرزاقه، أو لست أملك خزائنه ولا أتصرف فيها وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ. أي: ولا أقول لكم إني أعلم الغيب إنما ذاك من علم الله- عزّ وجل- ولا أطّلع منه إلا على ما أطلعني عليه وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ. أي: ولا أدعي أنّي ملك، إنّما أنا بشر من البشر يوحى إليّ من الله- عزّ وجل- شرّفني بذلك وأنعم عليّ به، والمعنى: لا أدعي هذا ولا هذا أي: لا أدعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر، من ملك خزائن الله، وعلم الغيب، ودعوى الملكية، فلماذا تكذبون دعوتي ورسالتي! إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>