رأس جبل أو قلعة أو جزيرة أَوْ مَغاراتٍ أي أو غيران جمع غار وهي التي في رأس الجبل أَوْ مُدَّخَلًا أو نفقا يندسون فيه لَوَلَّوْا إِلَيْهِ أي لأقبلوا نحوه وَهُمْ يَجْمَحُونَ أي
وهم يسرعون إسراعا لا يردهم شئ ولكنهم لا يجدون مهربا منكم فيتظاهرون بغير الحقيقة لكم.
[فائدة]
النموذج العملي لهذا الصنف تحدده أسباب النزول وقد أخرج محمد بن إسحاق عن الزهري وغيره قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه للجد بن قيس أخي بني سلمة: هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟ فقال يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني، فو الله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:«قد أذنت لك». ففي الجد بن قيس نزلت هذه وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي الآية:
أي إن كان إنما يخشى من نساء بني الأصفر وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة بنفسه عن نفسه أعظم. وقد كان الجد بن قيس هذا من أشراف بني سلمة، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم:«من سيدكم يا بني سلمة» قالوا: الجد بن قيس على أنا نبخله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وأي داء أدوأ من البخل؟ ولكن سيدكم الفتى الجعد الأبيض بشر بن البراء بن معرور».
[ولنعد إلى السياق]
لاحظنا أن المجموعة الأولى من هذا المقطع كانت دعوة إلى النفير، وأن المجموعة الثانية كانت في وصف من يتخلف عن النفير، وجاءت المجموعة الثالثة تحدد مواصفات نموذج من نماذج المنافقين الذين يتخلفون عن النفير، والآن تأتي مجموعة رابعة تحدد مواصفات صنف ثان من المنافقين وهذه هي:
وَمِنْهُمْ أي ومن المنافقين مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ أي يعيبك في قسمة الصدقات ويطعن عليك فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ أي وإن لم يعطوا منها فاجئوا بالسخط، وصفهم بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم، لا للدين وما فيه صلاح أهله،
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أي ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول وطابت به نفوسهم وإن قل نصيبهم لكان خيرا لهم وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ أي كفانا فضل الله وصنعه سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ أي سيرزق الله، ويؤتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم