سجله الله لهم. ومجموع ما له علاقة بهذا هو الذي يذكر في السيرة تحت عنوان غزوة حمراء الأسد. فلنذكر الآيات مع ذكر النص المباشر قبلها.
وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ.
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ. أي: من بعد ما أصابهم الجراح، فالقرح: هو الجرح. لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ في الآخرة. وقوله تعالى (منهم): للتبيين لا للتبعيض، لأن كل من استجابوا لله والرسول محسنون متقون رضي الله عنهم.
هذه صفة أولى من صفات الإيمان، الاستجابة لداعي الجهاد في كل الظروف والأحوال.
ثم تأتي الصفة الثانية. الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ: هم ركب من عبد القيس، كلفهم أبو سفيان أن يقولوا للمسلمين في حمراء الأسد، أنهم قد أجمعوا المسير إلى المسلمين لاستئصالهم، ووعدهم أن يجعل لهم في مقابل ذلك شيئا عينه لهم، وهذا ما سجلته الآية. إِنَّ النَّاسَ أي: أبا سفيان ومن معه، قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ. أي: فخافوهم. فَزادَهُمْ إِيماناً. أي: فزادهم هذا القول بصيرة ويقينا. وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. أي: يكفينا أن الله ولينا وحده فنتكل عليه، ونعم الموكل هو. هذه صفة ثانية من صفات أهل الإيمان؛ أنهم إذا ادلهمت الأمور عليهم ازدادوا توكلا على الله، وإيمانا به. والله عند حسن ظن عباده به، فكان من أمر المشركين يومها، أن قذف الله في قلوبهم الرعب، وفروا بعد أن كانوا يفكرون في الهجوم، واستئصال المسلمين كما سنرى في قسم الفوائد، وكفى الله المؤمنين شرهم، وسجل ربنا ذلك؛ ليمن به على المسلمين مريا إياهم أنه عند حسن ظن عباده به.
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ أما النعمة: فهي السلامة، وأما الفضل: فهو فرار الكافرين، وعودة الهيبة للمؤمنين، ورجوع الروح المعنوية للمسلمين وغير ذلك. لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ. أي: لم يلقوا ما يسوءهم من كيد العدو. وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ باستجابتهم لله والرسول، وجرأتهم، وخروجهم، وحسن توكلهم، واستعصائهم على ما يسمى في اصطلاحنا الحديث الحرب النفسية. وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ على عباده وأوليائه في الدنيا وفي الآخرة. والآن يأتي دور أخذ الدروس مما حدث.
إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ. أي: إنما ذلكم الشيطان يخوفكم أولياءه، ويوهمكم أنهم ذوو بأس وشدة، فلننتبه إلى هذا التفسير، وهو الوجه الوحيد الذي ذكره ابن كثير؛ إذ قدر