الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا وفي هذا المقطع من سورة الرعد نجد: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى ثم في آيتي سورة البقرة نجد: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. وفى هذا المقطع من سورة الرعد نجد:
إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ ....... إلى قوله تعالى وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ وهكذا نجد كيف أن هذا المقطع كان نوع تفصيل لآيتي سورة البقرة، وهو وإن لم يكن تفصيلا على الطريقة المعهودة للبشر لكنه تفصيل يفوق كل تفصيل، وإذا كان محور السورة قد فصل في صفات من يستحق الضلال، فإن المقطع هاهنا قد فصل في صفات من يستحق الهداية ومن يستحق الضلال، هذا مع إقامة الحجة على الضالين، ولقد عمق المقطع عندنا معاني هي: أن الله المحيط علما بكل شئ ينزل وحيا ويضرب مثلا، وأن على خلقه أن يستجيبوا، كما عرفنا أن معرفة الله تقتضي تنزيها وخشية واستجابة له، وعرفنا أن سبب الضلال والهداية يعود إلى استعدادات القلوب وصفات الإنسان، وعرفنا أن لأهل الحق العاقبة في الدنيا والآخرة، وأن الحق وحده هو الذي يبقى، كما عرفنا أن الباطل يتعدد ويتجدد كما يتعدد الزبد ويتجدد ولكن عينه لا تبقى، وأما الحق فإن عينه باقية، وفي ذلك بشارة لمن يعلمون أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه عزّ وجل هو الحق، وهي معان تطويها كلها آيتا البقرة، وسورة الرعد تفصلها هذا التفصيل الرائع، بمقاطعها الثلاثة وقد رأينا كيف فصل المقطع الأول بعض ما في الآيتين نوع تفصيل، وكذلك المقطع الثاني، وسنرى بعد ذكر فوائد هذا المقطع كيف يفصل المقطع الأخير بعض ما انطوى في آيتي سورة البقرة نوع تفصيل.