للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقدرته، والتدليل على كون القرآن حقا هو الأخير)

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً أي يلبس الوجود ويغشاه، قال النسفي. جعل الظلام الساتر كاللباس.

وَالنَّوْمَ سُباتاً أي قاطعا للحركة لراحة الأبدان، فإن الأعضاء والجوارح تكل من كثرة الحركة في الانتشار بالنهار في المعاش، فإذا جاء الليل وسكن سكنت الحركات فاستراحت، فحصل النوم الذي فيه راحة البدن والروح معا وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً أي ينتشر الناس فيه لمعايشهم ومكاسبهم وأسبابهم، قال النسفي: (وهذه الآية مع دلالتها على قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه، لأن في الاحتجاب بستر الليل فوائد دينية ودنيوية، وفي النوم واليقظة المشبهين بالموت والحياة عبرة لمن اعتبر، وقال لقمان لابنه: كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر)

وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أي قدام المطر، قال النسفي: لأنه ريح ثم سحاب ثم مطر وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ أي من السحاب السَّماءِ أي مطرا طَهُوراً أي آلة يتطهر بها

لِنُحْيِيَ بِهِ أي بالمطر بَلْدَةً مَيْتاً قال ابن كثير: أي أرضا قد طال انتظارها للغيث، فهي هامدة لا نبات فيها ولا شئ، فلما جاءها الحيا عاشت واكتست رباها أنواع الأزاهير والألوان وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً قال ابن كثير: أي ويشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة، لشربهم وزروعهم وثمارهم. قال النسفي: وقدم إحياء الأرض على سقي الأنعام والأناسي لأن حياتها سبب لحياتهما، وتخصيص الأنعام من الحيوان الشارب لأن عامة منافع الأناسي متعلقة بها، فكأن الإنعام عليهم بسقي الأنعام كالإنعام بسقيهم، وتنكير البلدة لأنه يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعدين عن مظان الماء، ولما كان سقي الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصفه بالطهور إكراما لهم وبيان أن من حقهم أن يؤثروا الطهارة في بواطنهم وظواهرهم لأن الطهورية شرط الإحياء

وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً أي ولقد صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن، وفي سائر الكتب، وهو ذكر إنشاء السحاب، وإنزال القطر؛ ليتفكروا ويعتبروا، ويعرفوا حق النعمة فيه، فيشكروا، فأبى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها، وقلة الاكتراث لها، أو المعنى:

ولقد صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وجون ورذاذ وديمة، مرة في مكان، ومرة في مكان آخر، فأبى أكثر الناس إلا الكفران، ولم يعطوا الشكر، وفي هذه الآية معجزة من معجزات القرآن العلمية سنراها في الفوائد.

وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً

<<  <  ج: ص:  >  >>