وعلى هذا لا يكون هناك اختلاف- كما رأى معظم المفسرين- بين مدلول هذه الآية، وبين مدلول آية الأنفال التي عاتب الله فيها الرسول صلّى الله عليه وسلم والمسلمين لاستكثارهم من الأسرى في غزوة بدر. والتقتيل كان أولى. وذلك حيث يقول تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
فالإثخان أولا لتحطيم قوة العدو وكسر شوكته؛ وبعد ذلك يكون الأسر. والحكمة ظاهرة؛ لأن إزالة القوة المعتدية المعادية للإسلام هي الهدف الأول من القتال. وبخاصة حين كانت القوة العددية للأمة المسلمة قليلة محدودة. وكانت الكثرة للمشركين. وكان قتل محارب يساوي شيئا كبيرا في ميزان القوى حينذاك. والحكم ما يزال ساريا في عمومه في كل زمان بالصورة التي تكفل تحطيم قوة العدو، وتعجيزه عن الهجوم والدفاع).
[٢، ٣ - كلام ابن كثير عن جزاء الشهيد عند الله ومنزلته في الجنة]
٢ - بمناسبة قوله تعالى: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ قال ابن كثير: (أي لن يذهبها؛ بل يكثرها وينميها ويضاعفها، ومنهم من يجري عليه عمله طول برزخه، كما ورد بذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي- رجل كانت له صحبة- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يعطى الشهيد ست خصال. عند أول قطرة من دمه تكفّر عنه كل خطيئة، ويرى مقعده من الجنة، ويزوج من الحور العين، ويأمن من الفزع الأكبر، ومن عذاب القبر، ويحلى حلة الإيمان» تفرد به أحمد رحمه الله.
(حديث آخر) روى أحمد أيضا عن المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن للشهيد عند الله ست خصال: أن يغفر له في أول دفقة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار مرصّع بالدر والياقوت، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه» وقد أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:«يغفر للشهيد كل شئ إلا الدين» وروى من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته» ورواه أبو داود، والأحاديث في فضل