٢ - [حول المراد باليمين في آية إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ وقول المؤلف في ذلك]
اعتمدنا في قوله تعالى إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ أن المراد باليمين القوة والقهر، إلا أننا نحب أن نسجل هنا ملاحظة وهي أن المفسرين في هذا المقام كثر كلامهم، ولا يكون الأمر كذلك إلا لأن النص يحتمل، ولا يأتي أحد بما يقطع، وقد عرض ابن كثير أقوال المفسرين، ولنا في الأخير كلمة نقولها قال ابن كثير:(قال الضحاك عن ابن عباس يقولون كنتم تقهروننا بالقدرة منكم علينا، لأنا كنا أذلاء، وكنتم أعزاء، وقال مجاهد يعني: عن الحق والكفار تقوله للشياطين. وقال قتادة قالت الإنس للجن: إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين، قال من قبل الخير فتنهونا عنه، وتبطّئونا عنه، وقال السدي: تأتوننا من قبل الحق، وتزيّنوا لنا الباطل، وتصدّونا عن الحق.
وقال الحسن في قوله تعالى إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ أي والله يأتيه عند كل خير يريده فيصدّه عنه، وقال ابن زيد معناه: تحولون بيننا وبين الخير، ورددتمونا عن الإسلام والإيمان والعمل بالخير الذي أمرنا به. وقال يزيد: الشك من قبل لا إله إلا الله، وقال خصيف: يعنون من قبل ميامنهم، وقال عكرمة إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ قال: من حيث نأمنكم).
أقول: في عصرنا طرح موضوع اليمين واليسار، وأصبح اليسار يعتبر عند بعض الناس علامة على الرغبة في التقدم والتخلّص من عراقيل الماضي، وأصبحت من أكبر
الشتائم أن تقول لإنسان أنت يميني، واتفق اليسار على أن يعتبر المتديّنين جميعا يمينيّين، وأصبح كثير من الناس يفرون من التدين خوفا من أن يتهموا بأنّهم يمينيون رجعيون، فهل تحتمل الآية- من جملة ما تحتمل- الإشارة إلى هؤلاء الناس الذين يصرفون الناس عن الإسلام بدعوى أنّ الإسلام يمينيّ، فيكون معنى الآية: إنكم كنتم تأتوننا عن طريق مهاجمة اليمين لتصرفونا عن الإسلام، لا نزعم أن الآية تعني هذا قطعا، ولكن التعبير يحتمله، وذلك من مظاهر الإعجاز القرآني، إذ يعطي التعبير فيه في كل عصر عبيرا خاصا. والله أعلم.
٣ - [كلام ابن كثير بمناسبة آية إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ]
بمناسبة قوله تعالى: إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عزّ وجل» وأنزل الله في كتابه العزيز، وذكر قوما استكبروا فقال تعالى إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ