يستيقنوا أن الدعوة إلى الله كثيرة التكاليف وأن الانضمام إليها في وجه المقاومة الجاهلية كثير التكاليف أيضا وأنه من ثم لا تنضم إليها- في أول الأمر- الجماهير المستضعفة المستخفة إنما تنضم إليها الصفوة المختارة في الجيل كله التي تؤثر حقيقة هذا الدين على الراحة والسلامة، وعلى كل متاع هذه الحياة الدنيا.
وأن عدد هذه الصفوة يكون دائما قليلا جدا ولكن الله يفتح بينهم وبين قومهم بالحق بعد جهاد يطول أو يقصر، وعندئذ فقط تدخل الجماهير في دين الله أفواجا، وفي قصة يوسف ألوان من الشدائد في الجب، وفي بيت العزيز، وفي السجن وألوان من الاستيئاس من نصرة الناس .. ثم كانت العاقبة خيرا للذين اتقوا- كما هو وعد الله الصادق الذي لا يخيب- وقصة يوسف نموذج من قصص المرسلين فيها عبرة لمن يعقل، وفيها تصديق ما جاءت به الكتب المنزلة من قبل، على غير صلة دراسية بين محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الكتب فما كان ممكنا أن يكون ما جاء به حديثا مفترى، فالأكاذيب لا يصدق بعضها بعضا ولا تحقق هداية ولا يستروح فيها القلب المؤمن الروح والرحمة: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. اهـ
[فوائد]
١ - بمناسبة قوله تعالى: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ يذكر ابن كثير مجموعة من الأحاديث والآثار ينتظمها أنها في موضوع الشرك الخفي أو الظاهر.
وكعادتنا في حذف الأسانيد والاكتفاء برواية من المكرر ننقل الروايات التالية:
(في الصحيحين: أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك) وفي صحيح مسلم: أنهم كانوا إذا قالوا: لبيك لا شريك لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد قد» أي حسب حسب لا تزيدوا على هذا، وقال الله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان: ١٣) وهذا هو الشرك الأعظم: يعبد مع الله غيره، كما في الصحيحين: عن ابن مسعود قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال:«أن تجعل لله ندا وهو خلقك». وقال الحسن البصري في قوله: وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ قال: ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس وهو مشرك بعمله ذلك يعني قوله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا