بعهدي، وتكرمتي ضيفي، وحفظي جاري، وتركي ما لا يعنيني، فذاك الذي صيّرني إلى ما ترى. وروى ابن أبي حاتم ... عن أبي الدرداء أنه قال يوما وذكر لقمان الحكيم فقال: ما أوتي عن أهل ولا مال ولا حسب ولا خصال، ولكنه كان رجلا صمصامة (١) سكّيتا طويل التفكير عميق النظر لم ينم نهارا قط، ولم يره أحد قط يبزق ولا يتنخّع ولا يبول ولا يتغوّط ولا يغتسل ولا يعبث ولا يضحك، وكان لا يعيد منطقا نطقه إلا أن يقول حكمة يستعيده إياها أحد. وكان قد تزوج وولد له أولاد، فماتوا
فلم يبك عليهم، وكان يغشى السلطان ويأتي الحكام لينظر ويتفكر ويعتبر فبذلك أوتي ما أوتي. وقد ورد أثر غريب عن قتادة رواه ابن أبي حاتم ... عن قتادة قال: خيّر الله لقمان الحكيم بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة على النّبوة قال: فأتاه جبريل وهو نائم فذرّ عليه الحكمة- أو رشّ عليه الحكمة- وقال: فأصبح ينطق بها، وقال سعيد:
فسمعت عن قتادة يقول: قيل للقمان كيف اخترت الحكمة على النبوة وقد خيّرك ربك؟ فقال: إنه لو أرسل إليّ بالنبوة عزمة لرجوت فيه الفوز منه، ولكنت أرجو أن أقوم بها، ولكنه خيّرني فخفت أن أضعف عن النبوة فكانت الحكمة أحبّ إليّ، فهذا من رواية سعيد بن بشير وفيه ضعف قد تكلموا فيه بسببه فالله أعلم).
٢ - [كلام ابن كثير بمناسبة آية لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ]
بمناسبة قوله تعالى: لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ قال ابن كثير:
(روى البخارى ... عن عبد الله قال: لما نزلت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقالوا: أيّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنه ليس بذاك ألا تسمع لقول لقمان: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
٣ - [كلام ابن كثير بمناسبة آية وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ]
بمناسبة قوله تعالى: وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ قال ابن كثير:
(كما قال تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة: ٢٣٣] ومن هاهنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأنه قال في الآية الأخرى: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف: ١٥] وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقّتها في سهرها ليلا ونهارا، ليذكر الولد بإحسانه المتقدم إليه كما قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما
(١) صيغة مبالغة من شدة تصممه وعزمه.