قدم الألوسي لسورة الجمعة بقوله:(مدنية كما روي عن ابن عباس، وابن الزبير، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وإليه ذهب الجمهور، وقال ابن يسار: هي مكية، وحكي ذلك عن ابن عباس، ومجاهد، والأول هو الصحيح لما في صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة الحديث، وإسلامه رضي الله تعالى عنه بعد الهجرة بمدة بالاتفاق، ولأن أمر الانفضاض الذي تضمنه آخر السورة وكذا أمر اليهود المشار إليه بقوله سبحانه: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ الخ- لم يكن إلا بالمدينة- وآيها إحدى عشرة آية بلا خلاف، ووجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما ذكر فيما قبل حال موسى عليه السلام مع قومه وأذاهم له ناعيا عليهم ذلك ذكر في هذه السورة حال الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وفضل أمته تشريفا لهم لينظر فضل ما بين الأمتين، ولذا تعرض فيها لذكر اليهود، وأيضا لما حكى هناك قول عيسى عليه السلام: وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ قال سبحانه هنا:
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ إشارة إلى أنه الذي بشر به عيسى، وأيضا لما ختم تلك السورة بالأمر بالجهاد وسماه (تجارة) ختم هذه بالأمر بالجمعة وأخبر أن
ذلك خير من التجارة الدنيوية. وأيضا في كلتا السورتين إشارة إلى اصطفاف في عبادة، أما في الأولى فظاهر، وأما في هذه فلأن فيها الأمر بالجمعة، وهي يشترط فيها الجماعة التي تستلزم الاصطفاف إلى غير ذلك، وقد كان صلى الله تعالى عليه وسلم- كما أخرج مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن ابن عباس- يقرأ في الجمعة بسورتها وإِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ.
وأخرج ابن حبان، والبيهقي في سننه عن جابر بن سمرة أنه قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وكان يقرأ في صلاة العشاء الأخيرة ليلة الجمعة سورة الجمعة، والمنافقون- وفي ذلك دلالة على مزيد شرف هذه السورة).