عبادي الشكور، ولذلك قال بعد قوله وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي زينتها وبهجتها لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ أى لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم، أو ليستغرقوا فيما هم فيه من النعيم فينسوا أو ليروا أن ما هم فيه علامة على أن حالهم هي الحال الصحيحة، ومن ثم فلا تتطلع إلى ما هم فيه ولا تنظر إليه ولا تعظمه، بل كن زاهدا فيه وَرِزْقُ رَبِّكَ أي ثوابه وهو الجنة أو الحلال المشروع الكافي خَيْرٌ أي أحسن وَأَبْقى أي وأدوم مما رزقوا.
ولما كان ميزان الشقاء والسعادة عند أهل الكفر هو نعيم الدنيا وهو أثر عن التصور الخاطئ لهذا الموضوع فقد صحح الله هذا التصور من خلال النهي عن مد البصر نحو ما يتمتع به الكافرون
٣ - وَأْمُرْ أَهْلَكَ أي أهل بيتك أو أمتك بِالصَّلاةِ أي استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة وَاصْطَبِرْ عَلَيْها أي واصبر أنت على فعل الصلاة بأن تداوم عليها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً أي لا نسألك أن ترزق نفسك، ولا أهلك نَحْنُ نَرْزُقُكَ أي وإياهم، فلا تهتم لأمر الرزق، وفرغ بالك لأمر الآخرة وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى أي وحسن العاقبة لأهل التقوى، في هذه الآية تطمين على الرزق وهو الهم الذي يشغل أكثر الخلق، وأمر بالصلاة، وأمر بالأمر بها، لأن إقامة الصلاة تعطي الإنسان طمأنينة كاملة، فهي عامل السعادة الأول في قلب المؤمن، وفي الأمر بها للأهل تعليم للإنسان أن يكون عاملا على نشر الهدى، وخاصة في دائرة أهله.
وهكذا بالصبر والتسبيح والزهد والصلاة والأمر بالصلاة يشق المسلم طريقه في هذه الحياة، فيصمد أمام الكفر ومغرياته، وادعاءات أهله ويستمر على الهدى وعلى شرع الله.
وقد بقي معنا الآن من السورة ثلاث آيات تتضمن اقتراحا للكافرين وردا عليه:
وَقالُوا أي الكافرون لَوْلا يَأْتِينا محمد صلى الله عليه وسلم بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أي بعلامة دالة على صحة نبوته، وقد رد الله عليهم بقوله أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى. أي الكتب المتقدمة يعني: أولم تأتكم آية هي أم الآيات وأعظمها في باب الإعجاز يعني القرآن الذي فيه برهان ما في سائر الكتب المنزلة، ودليل صحتها، لأنه معجزة، وتلك ليست بمعجزات، فهي مفتقرة إلى شهادة على صحة ما فيها أليس ذلك