الله تعالى لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء؟ قالوا: بلى. قال: فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا إلا ما علم؟ قالوا: لا. قال ألستم تعلمون أن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء، وأن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب ولا يحدث الحدث؟ قالوا:
بلى. قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبي، ثم كان يأكل الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث؟ قالوا: بلى. قال فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فعرفوا ثم أبوا إلا جحودا فأنزل الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
[كلمة أخيرة في القسم الأول]
نلاحظ بشكل واضح، أن موضوعا جديدا سيأتي معنا في القسم الثاني من السورة، يتحدث عن زكريا، ومريم وعيسى، عليهم السلام، وكنا قلنا من قبل: إن القسم الأول في سورة آل عمران، هو بمثابة المقدمة للقسم الثاني، والقسم الأول والثاني بمثابة المقدمة للقسم الثالث، والأقسام الأولى بمثابة المقدمات للقسمين الأخيرين من السورة:
إن القسم الأول من السورة تحدث عن وحدانية الله، وقيوميته، وعزته، وحكمته، ومظاهر ذلك من إنزال الكتب، وإلزام الناس بها، وعدم قبوله- جل جلاله- إلا الإسلام دينا، وكيف أن الإسلام يتمثل بالمتابعة والطاعة.
ويأتي الآن القسم الثاني وفيه تصحيح لمفاهيم أهل الكتاب عن عيسى عليه السلام، إذ هتك النصارى بمفاهيمهم المنحرفة عن عيسى عليه السلام، كل مقامات الألوهية ومقتضياتها، فجاء القسم الثاني ليصحح ذلك كله، وليعطينا تصورا عن هذا الموضوع، ينسجم مع المعاني التي قدمها لنا القسم الأول، ليكون القسمان بمثابة مقدمتين لفتح حوار شامل مع أهل الكتاب، ثم ليكون ذلك بمثابة الأساس الذي يبنى عليه القسمان الأخيران فى التوجيهات المباشرة للأمة الإسلامية. فلننتقل إذن إلى القسم الثاني في