بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ورأينا أنه قد جاء بعد ذلك مباشرة قوله تعالى:
وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ... وقد رأينا في المجموعة الأخيرة ردودا على الكافرين في شأن الرسول صلّى الله عليه وسلم والقرآن، والآن تأتي آيات مصدرة بقوله تعالى: وَلَوْ تَرى ... ففي أول آية في المقطع جاءت وَلَوْ تَرى وهاهنا تأتي كذلك؛ مما يدل دلالة واضحة على صلة المجموعة الأخيرة ببداية المقطع.
٢ - لقد أعلن الكافرون كفرهم بالقرآن، وبما بين يديه من أمور الآخرة، وقد عرض الله على رسوله صلّى الله عليه وسلم ما سيجدونه أمامهم في بداية المقطع، وخواتيمه وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ ... وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ... وفيما بين ذلك كان تصحيح وإقامة حجة، كما رأينا، فلنر الآيات الأخيرة.
...
وَلَوْ تَرى يا محمد إِذْ فَزِعُوا عند البعث فَلا فَوْتَ أي فلا مهرب ولا مفرّ لهم ولا وزر ولا ملجأ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ أي من الموقف إلى النار، وليس في ذلك من بعد
وَقالُوا حين عاينوا العذاب آمَنَّا بِهِ أي بالرسول صلّى الله عليه وسلم أو باليوم الآخر، أو بالله أو بالقرآن وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ أي التناول مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ أي كيف يتناولون التوبة وقد بعدت عنهم، يريد أن التوبة كانت تقبل منهم في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا، وبعدت عن الآخرة، قال ابن كثير:(أي وكيف لهم تعاطي الإيمان، وقد بعدوا عن محل قبوله منهم، وصاروا إلى الدار الآخرة، وهي دار الجزاء، لا دار الابتلاء، فلو كانوا آمنوا في الدنيا، لكان ذلك نافعهم، ولكن بعد مصيرهم إلى الآخرة، لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان، كما لا سبيل إلى حصول الشئ لمن يتناوله من بعيد)
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ أي بالحق أو بالرسول أو باليوم الآخر مِنْ قَبْلُ أي في الدنيا قال ابن كثير:
(أي كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذّبوا الرّسل) وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ أي وكانوا يتكلمون بالغيب، أو بالشئ الغائب قذفا وسبّا، أو رميا وإلقاء، نافين وجوده قائلين: لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ عن الصدق، أو عن الحق والصواب، وقال قتادة ومجاهد في الآية: يرجمون بالظنّ لا بعث ولا جنة ولا نار
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ من هذه الدنيا من مال وزهرة وأهل، ومن الآخرة وما فيها، فمنعوا منه قال النسفي: