وسنرى ذلك إن شاء الله. ويستفاد من الآية وجوب الإحداد على الزوجة المتوفى عنها زوجها مدة عدتها كما سنرى. فإذا انتهت عدتها، فلا عليها أن تتزين، وتتصنع، وتتعرض للزواج الحلال الطيب. وفي الآية الثانية يبيح الله لنا التعريض بخطبة النساء في عدتهن من وفاة أزواجهن من غير تصريح. كما يبيح لنا إضمار الخطبة لهن في أنفسنا دون الاتفاق السري، ومن باب أولى الجهري على التزوج بعد العدة. وإباحة الله لنا هذا لعلمه جل جلاله بأنفسنا، وتطلعاتها. كما حرم الله في الآية عقد النكاح علنا حتى تنقضي العدة. وختم الله الآية بأن توعدنا على ما يقع في ضمائرنا من أمور النساء.
وأرشدنا إلى الخير دون الشر. مع عدم اليأس من رحمته، والتقنيط من عائدته جل جلاله.
[المعنى الحرفي]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ أي تستوفى أرواحهم. وَيَذَرُونَ أَزْواجاً أي:
ويتركون زوجات. يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً أي: وزوجات الذين يتوفون منكم يعتددن بعدهم بأنفسهن أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليهن. فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أي: فإذا انقضت عدتهن فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ: أيتها الأمة أو أيتها الجماعة المتمثلة بأئمتها، وقضاتها. يفهم من ذلك أن الأمة بمجموعها مكلفة بإقامة أحكام الله، ومن مثل هذا النص عرف موضوع فرض الكفاية وفرض العين فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ أي: من التعرض للخطاب بالوجه الذي لا ينكره الشرع. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ: يعلم بواطن الأمور كما يعلم ظاهرها.
أن تقول: إنك لجميلة، أو صالحة، من غرضي أن أتزوج ونحو ذلك من الكلام الموهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه، ولا يصرح بالنكاح. فلا يقول: إني أريد أن أتزوجك. والفرق بين الكناية والتعريض: أن الكناية أن تذكر الشئ بغير لفظه الموضوع له. والتعريض: أن تذكر شيئا تدل به على شئ لم تذكره.
فكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ أي: لا إثم عليكم فيما سترتم، وأضمرتم في قلوبكم.
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا أي: علم الله أنكم ستذكرونهن لا محالة. ولا تنفكون عن النطق برغبتكم فيهن فاذكروهن. ولكن لا تواعدوهن سرا. أي: لا تأخذ ميثاقها أن لا تتزوج غيرك. لا تقل لها إني عاشق،