يبدأ المقطع بذكر امتنان الله على عبيده فيما مكن لهم من أنه جعل الأرض قرارا وجعل فيها رواسي وأنهارا، وجعل فيها منازل وبيوتا، وأباح لهم منافعها، وسخر لهم السحاب لإخراج أرزاقهم منها، وجعل لهم فيها معايش أي مكاسب وأسبابا يكسبون منها، ويتجرون ويتسببون أنواع الأسباب، وأكثرهم مع هذا قليل الشكر. ثم نبه الله عزّ وجل بني آدم في هذا المقام على شرف أبيهم آدم، مبينا لهم عداوة عدوهم إبليس، وما هو منطو عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم؛ ليحذروه، ولا يتبعوا طرائقه، وذلك أنه تعالى لما خلق آدم عليه السلام بيده من طين، وصوره بشرا سويا، ونفخ فيه من روحه، أمر الملائكة بالسجود تعظيما لشأن الله تعالى، فسمعوا كلهم وأطاعوا، إلا إبليس لم يكن مع الساجدين. ثم يقص الله ما كان بعد ذلك، إذ سأل إبليس عما أحرجه وألزمه واضطره ألا يسجد وقد أمره بالسجود، فكان اعتذاره بأنه خير من آدم، وهذا هو الذي منعه من السجود- في زعمه- وهو اعتذار أكبر من الذنب، كأنه امتنع عن الطاعة لأنه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول، يعني لعنه: أنا خير منه فكيف تأمرني بالسجود له؛ ثم بين بأنه خير منه بأنه خلق من نار والنار أشرف مما خلقته منه وهو الطين، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ولم ينظر إلى التشريف العظيم، وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وقاس قياسا فاسدا في مقابلة نص، فشذ من بين الملائكة لترك السجود، فلهذا أبلس من الرحمة أي: أويس من الرحمة، فأخطأ، قبحه الله في قياسه، ودعواه أن النار أشرف من الطين أيضا فإن الطين