مستوين من سيذكر منهم مع من ذكر. مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ من آمن منهم بالإسلام أُمَّةٌ قائِمَةٌ أي: جماعة مستقيمة عادلة. قائمة بأمر الله مطيعة لشرعه، متبعة نبيه. فقائمة هنا بمعنى: مستقيمة. يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ أي: يقومون الليل، ويكثرون التهجد، ويتلون القرآن في صلواتهم. وآناء الليل:
ساعاته.
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ المسارعة في الخير: فرط الرغبة فيه، لأن من رغب في الأمر سارع بالقيام به، وهؤلاء يبادرون إليها خشية الفوت. وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ.
أي: وهؤلاء الموصوفون بما وصفوا به من المسلمين، أو من جملة الصالحين، صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم.
وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ أي لن يحرموا أجره. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ أي: لا يخفى عليه عمل عامل، ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملا، وهذه بشارة للمتقين بجزيل الثواب.
ثم قال تعالى مخبرا عن الكفرة.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي: لا يرد عنهم بأس الله ولا عذابه. وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ماكثون فيها أبدا، فما أشد هذا العقاب، وما أعد له، لأنهم لو بقوا أبدا لاستمروا على الكفر أبدا.
ثم ضرب مثلا لما ينفقون في هذه الدار، كيف أنه لا ينفعهم عند الله مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا من أموالهم التي يتظاهرون بأنهم ينفقونها بقصد طيب، مع كفرهم، ورغبتهم في الثناء، والذكر الحسن عند الناس، كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ الصر: هو البرد الشديد أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ أي: أرض قوم قد آن حصادها، وقطافها وهؤلاء القوم صفتهم ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالذنوب والمعاصي فَأَهْلَكَتْهُ أي: فدمرته فصار المعني: مثل إهلاك ما ينفقون عند الله، كمثل إهلاك ريح باردة لثمرة أرض. تدمرها فلا ينتفع أهلها منها بشيء، وكذلك هؤلاء. وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ بإهلاك حرثهم وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بارتكاب ما استحقوا به العقوبة. هذا إذا أرجعنا الضمير على أصحاب الأرض، وإذا أرجعنا الضمير للمنفقين يكون المعنى: وما ظلمهم الله بأن لم يقبل نفقاتهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم، حيث لم يأتوا بها لائقة للقبول.