للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جوارحه. وفي الوقت ذاته له شرائعه المنظمة لأوضاعه، وله نظمه التي تكفل صيانته.

وهي شرائع ونظم تقوم على ذلك الأدب، وتنبثق منه، وتتسق معه؛ فيتوافى باطن هذا العالم وظاهره، وتتلاقى شرائعه ومشاعره، وتتوازن دوافعه وزواجره؛ وتتناسق أحاسيسه وخطاه، وهو يتجه ويتحرك إلى الله .. ومن ثم لا يوكل قيام هذا العالم الرفيع الكريم النظيف السليم وصيانته، لمجرد أدب الضمير ونظافة الشعور؛ ولا يوكل كذلك لمجرد التشريع والتنظيم. بل يلتقي هذا بذلك في انسجام وتناسق. كذلك لا يوكل لشعور الفرد وجهده، كما لا يترك لنظم الدولة وإجراءاتها. بل يلتقي فيه الأفراد بالدولة، والدولة بالأفراد؛ وتتلاقى واجباتهما ونشاطهما في تعاون واتساق.).

[كلمة في سورة الحجرات ومحورها]

جاء المقطع الثاني من سورة الفتح ليحدد مهمات الرسول، وواجبات المرسل إليهم، ولذلك فقد بدأ بقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الفتح: ٨) وقد جالت سورة الفتح جولات في واجبات المرسل إليهم، وهذه سورة الحجرات تكمّل، ولذلك فإنها تبدأ بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ... وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ فسورة الحجرات تكمّل سورة الفتح في تبيان واجبات المرسل إليهم.

تنتهي سورة الفتح بقوله تعالى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ .... (الآية: ٢٩) وتأتي سورة الحجرات لتذكر أدب العلاقة بين المؤمنين ورسولهم، وبين المؤمنين مع بعضهم إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ ...

اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ ... وهذا مظهر آخر من مظاهر تكامل سورة الحجرات مع سورة الفتح. وعلى ذلك فسورة الحجرات تتكامل مع مجموعتها وتكمّلها.

فسورة الجاثية عمّقت معنى الاهتداء بكتاب الله، وسورة الأحقاف عمّقت معنى التوحيد، وسورة القتال بيّنت أن الأصل هو القتال بين أهل الفسوق وأهل الإيمان،

<<  <  ج: ص:  >  >>