عدوا من غيرهم، فأعطانيها. وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها» في هذا الحديث إشارة إلى أن هذه الأمّة لا تكفر دفعة واحدة. وهذا ما حصل، فرغم قوة الردّة عن الإسلام في عصرنا فإن الإسلام على غاية من القوة عند أهله. وبعد:
فإن هذه الآية خطاب للبشرية كلها، والبشرية كلها يصيبها ما هدّدها الله به من هذه الثلاثة بلا استئصال. فكل فترة نسمع بخسف أو زلزال أو غرق، أو حرق في مكان ما من الأرض، والحروب المستعرة، والحروب المحتملة مما تشيب له الرءوس، ولكون الأمة الإسلامية جزءا من البشرية؛ فقد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ربه ليرفع عن أمته ما هددت به الآية فأجيب إلى بعضها ومنع الآخر. وقد رأينا في التعليقات على ما ذكرناه ما فيه الكفاية، ونسأل الله أن يجعلنا دائما مع الحق، ومن أهله، ومع أهله.
وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ. أي: وكذّب بالقرآن قومك وهو الصدق الذي ليس وراءه حق ويحتمل أن يكون المراد: وكذّب بالعذاب قومك وهو الحق الذي لا يتخلف- إذا أراد الله- وهل المراد بقومه قريش أو العرب عامّة؟ يحتمل هذا وهذا قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. أي: بحفيظ أو كل إليه أمركم إنّما أنا منذر
لِكُلِّ نَبَإٍ. أي: لكل شئ ينبئ به القرآن من أمر الدنيا والآخرة مُسْتَقَرٌّ. أي:
وقت استقرار وحصول لا بد منه وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ هذا تهديد ووعيد أكيد بوقوع ما أخبر به القرآن
وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا. أي القرآن، أي يخوضون في الاستهزاء به والطّعن فيه فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ. أي: لا تجالسهم وقم عنهم حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ. أي: غير القرآن مما يحلّ فحينئذ يجوز أن تجالسهم وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ. أي: ما نهيت عنه من عدم الجلوس معهم حال الخوض منهم فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى. أي: بعد أن تتذكر مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الكافرين الجاحدين، وأي ظلم أكبر من ظلم الله بالاستهزاء بآياته وتكذيبها
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ. أي: وما على المتقين مِنْ حِسابِهِمْ. أي: من حساب هؤلاء الذين يخوضون في القرآن تكذيبا واستهزاء مِنْ شَيْءٍ. أي: وما يلزم المتقين الذين يجالسونهم شئ مما يحاسبون عليه من ذنوبهم وَلكِنْ ذِكْرى.
أي: ولكن عليهم أن يذكّروهم إذا سمعوهم يخوضون بالقيام عنهم، وإظهار الكراهة لهم، وموعظتهم لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. أي: لعل هؤلاء الخائضين يتقون الله فيؤمنون، ويتركون الكفر، ويجتنبون الخوض حياء أو كراهة لمسائتهم، وفي زماننا هذا حيث كثر الخوض في آيات الله، كم ينبغي أن يكون المسلم على ذكر من هذه الآية