ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب إني عملت ذنبا فاغفره لي. فقال عزّ وجل: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب إني عملت ذنبا فاغفره فقال: الله عزّ وجل: عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به أشهدكم أني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء».
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ أي قد مضت من قبلكم قوانين مما سنه الله تعالى، تجري على خلقه بإرادته وقدرته، منها ما هو خاص بالمؤمنين، ومنها ما هو خاص بالأنبياء والمرسلين. وسنن الله لا تتغير ولا تتبدل، هذه السنن مذكورة في الكتاب والسنة، فلا يعرفها إلا عالم بالكتاب والسنة، ومن استكشفها وعلمها، استطاع أن يعرف
الحاضر، وأن يتحسس المستقبل، ومن سنة الله أن جعل العاقبة للتقوى والمتقين، وأن جعل الدائرة في النهاية تدور على المكذبين والكافرين ولهذا قال: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ أي نهاية المكذبين للرسل، من الاستئصال، والهلاك، والعذاب، والهزيمة. وهذه الآية مقدمة لما سيقصه الله علينا من سنن أثناء الكلام الطويل عن غزوة أحد، ودروسها، وما رافقها مما تحتاجه الأمة الإسلامية في كل حين.
هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ أي: هذا القرآن فيه توضيح لكل ما يحتاجه الناس، كما فيه توضيح لسنن الله التي لا تتخلف، أنعم به على الناس جميعا.
وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ومع ما حوى من بيان، ففيه الهداية الكاملة، والإرشاد الكامل للقلوب، والأنفس، والأجسام، وفيه ترغيب، وترهيب، وزجر عن المحارم، ولكن هذا الهدى، وهذه الموعظة لا يستفيد منها إلا المتقون، الذين اتقوا الشرك والمعاصي، وأقبلوا على الله بطاعة أوامره.
[كلمة حول السياق]
لاحظنا أن سورة آل عمران إنما هي تفصيل لما أجمل في مقدمة سورة البقرة، وتفصيل لما تحتاجه إقامتها من معان. وفي مقدمة سورة البقرة وصف للمتقين. وفي الآية الأولى منها قوله تعالى ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. وفي آخر الوصف قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.