ونلاحظ أنّ السورة على طولها خلت من القصة مع أنه لم تمّر معنا سورة من قبل خالية من القصص، وهذا يشير إلى أن هذا القرآن إن تكلّم قاصا فهو أحسن الحديث، وإن تكلم كلاما مجردا عن القصة فهو أحسن الحديث، وأن أسلوبه الأعلى هو أسلوبه الذي لا يختلف في أي فن من فنون الكلام تطرّق له، فهذا الإبداع في العرض والأسلوب مع وجود مجموعة الخصائص القرآنية- من تذكير وتبشير وإنذار وهداية وصدق وحق وعدل في كل جزء منه- لدليل على أن هذا القرآن من عند الله.
وقد أبرزنا أثناء الكلام عن مقدّمة السورة تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ صلة ذكر اسمي الله العزيز الحكيم بموضوع السورة، إذ بيّنا أنّ موضوع السورة كان فيه إظهار لمعاني اتصاف الله عزّ وجل بالعزة والحكمة، وهو موضوع سنراه في أكثر من سورة من سور القرآن، فكما أنّ هذا الكون تظهر فيه أسماء الله عزّ وجل كلها، من أنّه المحيي والمميت، والمعز والمذلّ، والقادر والغالب والعليم .. فكذلك هذا القرآن، نرى فيه ظهورا لأسماء الله كلها، ففيه يظهر اسم الله البديع والحكيم والعزيز، وبقية الأسماء، إما من خلال وصف القرآن لله عزّ وجل فيها، أو من خلال كون الكتاب كلام الله عزّ وجل، والكلام يدل على المتكلم.
[وأخيرا نقول]
إنّ علينا أن ننظر ببالغ الأهمية لما ورد في السورة من معان عملية، فنقبل على الله بالعبادة ملاحظين الرجاء والخوف، والشكر والاعتراف لله بالنعم، والإيمان والتقوى، والصبر والإخلاص والإسلام، والإنابة إلى الله، واجتناب عبادة الطاغوت، واتباع الأحسن من القول، والخشية لله، وتصديق الرسول صلّى الله عليه وسلم في كل ما جاء به، والتوكل على الله عزّ وجل في كل حال، ولنلاحظ خاصة علامات انشراح الصدر في الإسلام، فقد قال النسفي عند قوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ: (وسئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الشرح فقال: «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح» فقيل: هل