للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين يدي سورة المزمل]

قدم الألوسي لسورة المزمل بقوله: (مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقال ابن عباس وقتادة كما ذكر الماوردي: إلا الآيتين منها وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ والتي تليها، وحكى في البحر عن الجمهور أنها مكية إلا قوله تعالى:

إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ إلى آخرها، وتعقبه الجلال السيوطي بعد أن نقل الاستثناء عن حكاية ابن الفرس بقوله: ويرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة أن ذلك نزل بعد نزول صدر السورة بسنة، وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام قبل فرض الصلوات الخمس، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك. وآيها: ثماني عشرة آية في المدني الأخير، وتسع عشرة في البصري، وعشرون فيما عداهما. ولما ختم سبحانه سورة الجن بذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام افتتح عزّ وجل هذه بما يتعلق بخاتمهم عليه وعليهم الصلاة والسلام، وهو وجه في المناسبة، وفي تناسق الدرر لا يخفى اتصال أولها قُمِ اللَّيْلَ الخ بقوله تعالى في آخر تلك: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ وبقوله سبحانه: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ الآية).

وقال صاحب الظلال في تقديمه لهذه السورة: (وشطر السورة الأول يمضي على إيقاع موسيقي واحد. ويكاد يكون على روي واحد. هو اللام المطلقة الممدودة.

وهو إيقاع رخي وقور جليل؛ يتمشى مع جلال التكليف، وجدية الأمر، ومع الأهوال المتتابعة التي يعرضها السياق).

(فأما الآية الأخيرة الطويلة التي تمثل شطر السورة الثاني؛ فقد نزلت بعد عام من قيام الليل حتى ورمت أقدام الرسول صلى الله عليه وسلم وطائفة من الذين معه. والله يعده ويعدهم بهذا القيام لما يعدهم له! فنزل التخفيف، ومعه التطمين بأنه اختار الله لهم وفق علمه وحكمته بأعبائهم وتكاليفهم التي قدرها في علمه عليهم ... أما هذه الآية فذات نسق خاص. فهي طويلة وموسيقاها متموجة عريضة، وفيها هدوء واستقرار، وقافية تناسب هذا الاستقرار وهي الميم وقبلها مد الياء: «غفور رحيم».

والسورة بشطريها تعرض صفحة من تاريخ هذه الدعوة. تبدأ بالنداء العلوي الكريم بالتكليف العظيم. وتصور الإعداد له والتهيئة بقيام الليل، والصلاة، وترتيل القرآن، والذكر الخاشع المتبتل. والاتكال على الله وحده، والصبر على الأذى، والهجر الجميل

<<  <  ج: ص:  >  >>